البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٩٢
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ : أصحاب الحجر ثمود قوم صالح عليه السلام، والحجر أرض بين الحجاز والشام، وتقدّمت قصته في الأعراف مستوفاة. والمرسلين يعني بتكذيبهم صالحا، لأنّ من كذب واحدا منهم فكأنما كذبهم جميعا. قال الزمخشري : أو أراد صالحا ومن معه من المؤمنين كما قيل : الخبيبيون في ابن الزبير وأصحابه. وعن جابر قال : مررنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الحجر فقال لنا :«لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذر أن يصيبكم مثل ما أصاب هؤلاء، ثم زجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم راحلته فأسرع حتى خلفها» وفي بعض طرقه ثم قال :«هؤلاء قوم صالح أهلكهم اللّه إلا رجلا كان في حرم اللّه منعه حرم اللّه من عذاب اللّه» قيل : من هو يا رسول اللّه؟ قال :«أبو رغال» وإليه تنسب ثقيف.
وآتيناهم آياتنا قيل : أنزل إليهم آيات من كتاب اللّه، وقيل : يراد نصب الأدلة فأعرضوا عنها. وقيل : كان في الناقة آيات خمس. خروجها من الصخرة، ودنو نتاجها عند خروجها، وعظمها حتى لم تشبهها ناقة، وكثرة لبنها حتى يكفيهم جميعا. وقيل : كانت له آيات غير الناقة. وقرأ الجمهور : ينحتون بكسر الخاء. وقرأ الحسن، وأبو حيوة بفتحها وصفهم بشدة النظر للدنيا والتكسب منها، فذكر من ذلك مثالا وهو نقرهم بالمعاول ونحوها في الحجارة. وآمنين، قيل : من الانهدام. وقيل : من حوادث الدنيا. وقيل : من الموت لاغترارهم بطول الأعمار. وقيل : من نقب اللصوص، ومن الأعداء. وقيل : من عذاب اللّه، يحسبون أنّ الجبال تحميهم منه. قال ابن عطية : وأصح ما يظهر في ذلك أنهم كانوا يأمنون عواقب الآخرة، فكانوا لا يعملون بحسبها، بل كانوا يعملون بحسب الأمن منها.
ومصبحين : داخلين في الصباح. والظاهر أنّ ما في قوله فما أغنى نافية، وتحتمل الاستفهام المراد منه التعجب. وما في كانوا يحتمل أن تكون مصدرية، والظاهر أنها بمعنى الذي، والضمير محذوف أي : يكسبونه من البيوت الوثيقة والأموال والعدد، بل خروا جاثمين هلكى وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ فَوَ رَبِّكَ