البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٩٩
الآخرة كما جوزوا في الدنيا وكنى بالصدر عن القلب لأنه محله وجعل سبب الضيق ما يقولون وهو ما ينطقون به من الاستهزاء والطعن فيما جاء به ثم أمره تعالى بتنزيهه عن ما نسبوا إليه من اتخاذ الشريك معه مصحوبا بحمده والثناء على ما أسدى إليه من نعمة النبوة والرسالة والتوحيد وغيرها من النعم فهذا في المعتقد والفعل القلبي وأمره بكونه من الساجدين والمراد واللّه أعلم من المصلين فكنى بالسجود عن الصلاة وهي أشرف أفعال الجسد وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ولما كان الصادر من المستهزئين اعتقادا وهو فعل القلب وقولا وهو ما يقولون في الرسول وما جاء به وهو فعل جارحة أمر تعالى بما يقابل ذلك من التنزيه للّه ومن السجود وهما جامعان فعل القلب وفعل الجسد ثم أمره تعالى بالعبادة التي هي شاملة لجميع أنواع ما يتقرب بها إليه تعالى وهذه الأوامر معناها دم على كذا لأنه صلّى اللّه عليه وسلّم ما زال متلبسا بها أي دم على التسبيح والسجود والعبادة والجمهور على أن المراد باليقين الموت أي ما دمت حيا فلا تخل بالعبادة وهو تفسير ابن عمر ومجاهد والحسن وقتادة وابن زيد ومنه
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم في عثمان بن مظعون عند موته أما هو فقد رأى اليقين
ويروى فقد جاءه اليقين
وليس اليقين من أسماء الموت وإنما العلم به يقين لا يمتري فيه عاقل فسمي يقينا تجوزا أي يأتيك الأمر اليقين علمه ووقوعه. وقال ابن عطية ويحتمل أن يكون المعنى حتى يأتيك اليقين في النصر الذي وعدته انتهى وقاله ابن بحر قال اليقين النصر على الكافرين انتهى وحكمة التغيية باليقين وهو الموت أنه يقتضي ديمومة العبادة ما دام حيا بخلاف الاقتصار على الأمر بالعبادة غير مغيا لأنه يكون مطلقا فيكون مطيعا بالمرة الواحدة والمقصود أن لا يفارق العبادة حتى يموت.