البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥١١
الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ : مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما امتن بإيجادهم بعد العدم وإيجاد ما ينتفعون به من الأنعام وغيرها من الركوب، ذكر ما امتن به عليهم من إنزال الماء الذي هو قوام حياتهم وحياة الحيوان، وما يتولد عنه من أقواتهم وأقواتها من الزرع، وما عطف عليه فذكر منها الأغلب، ثم عمم بقوله : ومن كل الثمرات، ثم أتبع ذلك بخلق الليل الذي هو سكن لهم، والنهار الذي هو معاش، ثم بالنيرين اللذين جعلهما اللّه تعالى مؤثرين بإرادته في إصلاح ما يحتاجون إليه، ثم بما ذرأ في الأرض.
والظاهر أنّ لكم، في موضع الصفة لماء، فيتعلق بمحذوف، ويرتفع شراب به أي :
ماء كائنا لكم منه شراب. ويجوز أن يتعلق بأنزل، ويجوز أن يكون استئنافا، وشراب مبتدأ. لما ذكر إنزال الماء أخذ في تقسيمه. والشراب هو المشروب، والتبعيض في منه ظاهر، وأما في منه شجر فمجاز، لما كان الشجر إنباته على سقيه بالماء جعل الشجر من الماء كما قال : أسنمة الآبال في ربابه، أي في سحاب المطر. وقال ابن الأنباري : هو على حذف المضاف، إما قبل الضمير أي : ومن جهته، أو سقيه شجر، وإما قبل شجر أي :
شرب شجر كقوله وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ «١» أي حبه. والشجر هنا كل ما تنبته الأرض قاله الزجاج. وقال : نطعمها اللحم إذا عز الشجر، فسمى الكلأ شجرا. وقال ابن قتيبة : الشجر هنا الكلأ، وفي حديث عكرمة :«لا تأكلوا الشجر فإنه سحت»
يعني الكلأ.
ويقال : أسام الماشية وسومها جعلها ترعى، وسامت بنفسها فهي سائمة وسوام رعت حيث شاءت، قال الزجاج : من السومة، وهي العلامة، لأنها تؤثر في الأرض علامات. وقرأ زيد بن علي : تسيمون بفتح التاء، فإن سمع متعديا كان هو وأسام بمعنى واحد، وإن كان لازما فتأويله على حذف مضاف يسيمون أي : تسيم مواشيكم لما ذكر، ومنه شجر. أخذ في ذكر غالب ما ينتفع به من الشجر إن كان المراد من قوله : ومنه شجر العموم، وإن كان المراد الكلأ فهو استئناف اخبار منافع الماء. ويقال : نبت الشيء وأنبته اللّه فهو منبوت، وهذا قياسه منبت. وقيل : يقال أنبت الشجر لازما. وأنشد الفراء :

(١) سورة البقرة : ٢/ ٩٣.


الصفحة التالية
Icon