البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥١٤
وتعليل الابتغاء، فلذلك عدل عن جمع المخاطب، والظاهر عطف، ولتبتغوا على التعليل قبله كما أشرنا إليه. وأجاز ابن الأنباري أن يكون معطوفا على علة محذوفة أي : لتبتغوا بذلك. ولتبتغوا، وأن يكون على إضمار فعل أي : وفعل ذلك لتبتغوا. والفضل هنا حصول الأرباح بالتجارة، والوصول إلى البلاد الشاسعة، وفي هذا دليل على جواز ركوب البحر.
ولعلكم تشكرون، على ما منحكم من هذه النعم. قيل : خلق اللّه الأرض فجعلت تمور فقالت الملائكة : ما هي بمقر أحد على ظهرها، فأصبحت وقد أرسيت بالجبال، لم تدر الملائكة مم خلقت. وعطف وأنهارا على رواسي. ومعنى ألقى : جعل، ألا ترى إلى قوله :
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً «١» وقوله : وجعل فيها رواسي، من فوقها. وقال وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي أي : جعلت وقال ابن عطية : قال المتأولون : ألقى بمعنى خلق وجعل، وهي عندي أخص من خلق وجعل، وذلك أن ألقى يقتضي أن اللّه أوجد الجبال ليس من الأرض لكن من قدرته واختراعه، ويؤيد هذا النظر ما روي في القصص عن الحسن، عن قيس بن عباد : أنّ اللّه تعالى لما خلق الأرض جعلت تمور إلى آخر الكلام السابق، وهو أيضا مروي عن وهب بن منبه. وقال ابن عطية أيضا : وقوله : وأنهارا، منصوب بفعل مضمر تقديره : وجعل، أو خلق أنهارا. وإجماعهم على إضمار هذا الفعل دليل على خصوص ألقى، ولو كانت ألقى بمعنى خلق لم يحتج إلى هذا الإضمار انتهى.
وأي إجماع في هذا، وقد حكى عن المتأولين أنّ ألقى بمعنى خلق وجعل، وقال الزمخشري : وأنهارا، وجعل فيها أنهارا لأنّ ألقى فيه معنى جعل. ألا ترى إلى قوله : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً «٢». وقال أبو البقاء : أي وشق أنهارا وعلامات أي :
وضع علامات، ويجوز أن يعطف على رواسي. وقال أبو عبد اللّه الرازي : ثبت في العلوم العقلية أن أكثر الأنهار إنما تتفجر منابعها في الجبال، فلهذا السبب أتبع ذكرها بتفجير الأنهار، وسبلا طرقا إلى مقاصدكم لعلكم تهتدون بالسبل إلى مقاصدكم، هذا هو الظاهر، ويدل عليه ما بعده. وقال تعالى : وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون. وقيل : تهتدون أي : بالنظر في دلالة هذه المصنوعات على صانعها، فهو من الهداية إلى الحق، ودين اللّه.
وعلامات هي معالم الطرق، وكل ما يستدل به السابلة من جبل وسهل وغير ذلك قاله الزمخشري، وهو معنى قول ابن عباس. وقال أبو عبد اللّه الرازي : ورأيت جماعة يتعرفون الطرقات بشم التراب. وقال ابن عيسى : العلامة صورة يعلم بها ما يراد من خط أو لفظ أو

(١، ٢) سورة النبأ : ٧٨/ ٧.


الصفحة التالية
Icon