البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥١٨
فأموات لا يعقب موتها حياة، وذلك أعرق في موتها. وقيل : والذين تدعون، هم الملائكة، وكان ناس من الكفار يعبدونهم. وأموت أي : لا بد لهم من الموت، وغير أحياء أي : غير باق حياتهم، وما يشعرون أي : لا علم لهم بوقت بعثهم. وجوزوا في قراءة : والذين يدعون، بالياء من تحت أن يكون قوله : أو موت، يراد به الكفار الذين ضميرهم في :
يدعون، شبههم بالأموات غير الأحياء من حيث هم ضلال. غير مهتدين وما بعده عائد عليهم، والبعث الحشر من قبورهم. وقيل : في هذا التقدير وعيد أي : أيان يبعثون إلى التعذيب. وقيل : الضمير في وما يشعرون، للأصنام وفي : يبعثون، لعبدتها. أي : لا تشعر الأصنام متى تبعث عبدتها. وفيه تهكم بالمشركين، وأنّ آلهتهم لا يعلمون وقت بعث عبدتهم، فكيف يكون لهم وقت جزاء على عبادتهم. وتلخص من هذه الأقوال أن تكون الإخبار بتلك الجمل كلها عن المدعوين آلهة، أما الأصنام، وأما الملائكة، أو يكون من قوله : أموات إلى آخره، إخبارا عن الكفار. أو يكون وما يشعرون أيان يبعثون، فقط إخبارا عن الكفار، أو يكون وما يشعرون إخبارا عن المدعوين، ويبعثون : إخبارا عن الداعين العابدين. وقرأ أبو عبد الرحمن إيان بكسر الهمزة، وهي لغة قومه سليم. والظاهر أنّ قوله :
إيان، معمول ليبعثون، والجملة فيموضع نصب بيشعرون، لأنه معلق. إذ معناه العلم.
والمعنى : أنه نفى عنهم علم ما انفرد بعلمه الحي القيوم، وهو وقت البعث إذا أريد بالبعث الحشر إلى الآخرة. وقيل : تم الكلام عند قوله : وما يشعرون. وأيان يبعثون ظرف لقوله :
إلهكم إله واحد، أخبر عن يوم القيامة أنّ الإله فيه واحد انتهى. ولا يصح هذا القول لأنّ أيان إذ ذاك تخرج عما استقر فيها من كونها ظرفا، إما استفهاما، وإما شرطا. وفي هذا التقدير تكون ظرفا بمعنى وقت مضافا للجملة بعدها، معمولا لقوله : واحد، كقولك : يوم يقوم زيد قائم. وفي قوله : أيان يبعثون، دلالة على أنه لا بد من البعث، وأنه من لوازم التكليف. ولما ذكر تعالى ما اتصفت به آلهتهم بما ينافي الألوهية، أخبر تعالى أنّ إله العالم هو واحد لا يتعدد ولا يتجزأ وأن الذين لا يؤمنون بالجزاء بعد وضوح بطلان أن تكون الإلهية لغيره بل له وحده، هم مستمرون على شركهم، منكرون وحدانيته، مستكبرون عن الإقرار بها، لاعتقادهم الإلهية لأصنامهم وتكبرها في الوجود. ووصفهم بأنهم لا يؤمنون بالآخرة مبالغة في نسبة الكفر إليهم، إذ عدم التصديق بالجزاء في الآخرة يتضمن التكذيب باللّه تعالى وبالبعث، إذ من آمن بالبعث يستحيل أن يكذب اللّه عز وجل. وقيل : مستكبرون عن الإيمان برسول اللّه وأتباعه. وقال العلماء : كل ذنب يمكن التستر به وإخفاؤه إلا التكبر فإنه


الصفحة التالية
Icon