البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٢
تتسلم. وعن الكلبي : تعلم. وقيل : تذوق. وقرأ يحيى بن وثاب : وردوا بكسر الراء، لمّا سكن للإدغام نقل حركة الدال إلى حركة الراء بعد حذف حركتها. ومعنى إلى اللّه : إلى عقابه. وقيل : إلى موضع جزائه مولاهم الحق، لا ما زعموه من أصنامهم، إذ هو المتولي حسابهم. فهو مولاهم في الملك والإحاطة، لا في النصر والرحمة. وقرىء الحق بالنصب على المدح نحو : الحمد للّه أهل الحمد. وقال الزمخشري : كقولك هذا عبد اللّه الحق لا الباطل، على تأكيد قوله : ردوا إلى اللّه انتهى. وقال أبو عبد اللّه الرازي : وردوا إلى اللّه، جعلوا ملجأين إلى الإقرار بالإلهية بعد أن كانوا في الدنيا يعبدون غير اللّه، ولذلك قال :
مولاهم الحق. وضل عنهم أي : بطلو ذهب ما كانوا يفترونه من الكذب، أو من دعواهم أنّ أصنامهم شركاء للّه شافعون لهم عنده.
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ : لما بين فضائح عبدة الأوثان، أتبعها بذكر الدلائل على فساد مذهبهم بما يوبخهم، ويحجهم بما لا يمكن إلا الاعتراف به من حال رزقهم وحواسهم، وإظهار القدرة الباهرة في الموت والحياة. فبدأ بما فيه قوام حياتهم وهو الرزق الذي لا بد منه، فمن السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات. فمن لابتداء الغاية وهيىء الرزق بالعالم العلوي والعالم السفلي معالم يقتصر على جهة واحدة، تعالى توسعة منه وإحسانا. ومن ذهب إلى أنّ التقدير من أهل السماء والأرض فتكون من للتبعيض أو للبيان. ثم ذكر ملكه لهاتين الحاستين الشريفتين :
السمع الذي هو سبب مدارك الأشياء، والبصر الذي يرى ملكوت السموات والأرض.
ومعنى ملكهما أنه متصرف فيهما بما يشاء تعالى من إبقاء وحفظ وإذهاب. وقال الزمخشري : من يملك السمع والأبصار من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحد الذي سويا عليه من الفطرة العجيبة، أو من يحميهما ويعصمهما من الآفات مع كثرتها في المدد الطوال، وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء بكلاءته وحفظه انتهى. ولا يظهر هذان الوجهان اللذان ذكرهما من لفظ أم من يملك السمع والأبصار. وعن عليّ كرم اللّه وجهه : سبحان من بصر بشحم، وأسمع بعظم، وأنطق بلحم.
وأم هنا تقتضي تقدير بل دون همزة الاستفهام لقوله تعالى : أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «١» فلا تتقدّر ببل، فالهمزة لأنها دخلت