البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٢٠
لبعض، واحتمل أن يكون المؤمنون قالوا لهم على سبيل الامتحان. وقيل : قائل ذلك الذين تقاسموا مداخل مكة ينفرون عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم إذا سألهم وفود الحاج : ماذا أنزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قالوا : أحاديث الأولين.
وقرأ الجمهور : برفع أساطير، فاحتمل أن يكون التقدير المذكور : أساطير، أو المنزل أساطير، جعلوه منزلا على سبيل الاستهزاء، وإن كانوا لا يؤمنون بذلك. واللام في ليحملوا لام الأمر على معنى الحتم عليهم والصغار الموجب لهم، أو لام التعليل من غير أن يكون غرضا كقولك : خرجت من البلد مخافة الشر، وهي التي يعبر عنها بلام العاقبة، لأنهم لم يقصدوا بقولهم : أساطير الأولين، أن يحملوا الأوزار. ولما قال ابن عطية : إنه يحتمل أن تكون لام العاقبة قال : ويحتمل أن يكون صريح لام كي على معنى قدر هذا لكذا، وهي لام التعليل، لكنه لم يعلقها بقوله. قالوا : بل أضمر فعلا آخر وهو : قدر هذا، وكاملة حال أي : لا ينقص منها شيء، ومن للتبعيض. فالمعنى : أنه يحمل من وزر كل من أضل أي :
بعض وزر من ضلّ بضلالهم، وهو وزر الإضلال، لأنّ المضل والضال شريكان، هذا يضله، وهذا يطاوعه على إضلاله، فيتحاملان الوزر. وقال الأخفش : من زائدة أي : وأوزار الذين يضلونهم، والمعنى : ومثل أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ «١»
كقوله :«فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»
المراد : ومثل وزر، والمعنى : أن الرئيس إذا وضع سنة قبيحة عظم عقابه حتى أن ذلك العقاب يكون مساويا لعقاب كل من اقتدى به في ذلك. وقال الواحدي : ليست من للتبعيض، لأنه يستلزم تخفيف الأوزار عن الاتباع، وذلك غير جائز
لقوله عليه الصلاة والسلام :«من غير أن ينقص من أوزارهم شي ء»
لكنها للجنس أي :
ليحملوا من جنس أوزار الاتباع انتهى. ولا تتقدر من التي لبيان الجنس هذا التقدير الذي قدره الواحدي، وإنما تقدر : الأوزار التي هي أوزار الذين يضلونهم، فيؤول من حيث المعنى إلى قول الأخفش، وإن اختلفا في التقدير. وبغير علم قال الزمخشري : حال من المفعول أي : يضلون من لا يعلم أنهم ضلال. وقال غيره : حال من الفاعل وهو أولى، إذ هو المحدث عنه المسند إليه الإضلال على جهة الفاعلية، والمعنى : أنهم يقدمون على هذا الإضلال جهلا منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد على ذلك الإضلال. ثم أخبر تعالى عن سوء ما يتحملونه للآخرة، وتقدم الكلام في إعراب مثل ساء ما يزرون. فأتى اللّه اي : أمره وعذابه والبنيان، قيل : حقيقة. قال ابن عباس وغيره : الذين من قبلهم نمرود بنى