البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٢٦
كانوا يبعثون أيام المواسم من يأتيهم بخبر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا جاء الوفد كفه المقتسمون وأمره بالانصراف وقالوا : إن لم تلقه كان خيرا لك فيقول : أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أستطلع أمر محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وأراه، فيلقى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيخبرونه بصدقه، وأنه نبي مبعوث، فهم الذين قالوا خيرا. والظاهر أن قوله : للذين، مندرج تحت القول، وهو تفسير للخير الذي أنزله اللّه في الوحي : أنّ من أحسن في الدنيا بالطاعة فله حسنة في الدنيا ونعيم في الآخرة بدخول الجنة. وقال الزمخشري : للذين أحسنوا وما بعده بدل من خير، حكاية لقول الذين اتقوا أي : قالوا هذا القول، فقدم عليه تسميته خيرا ثم خكاه انتهى. وقالت فرقة : هو ابتداء كلام من اللّه تعالى، مقطوع مما قبله، وهو بالمعنى وعد متصل بذكر إحسان المتقين في مقالتهم. ومعنى حسنة مكافأة في الدنيا بإحسانهم، ولهم في الآخرة ما هو خير منها. ولما ذكر حال الكفار في الدنيا والآخرة ذكر حال المؤمنين في الدارين، والظاهر أنّ المخصوص بالمدح هو جنات عدن. وقال الزمخشري : ولنعم دار المتقين دار الآخرة، فحذف المخصص بالمدح لتقدم ذكره، وجنات عدن خبر مبتدأ محذوف انتهى.
وقاله ابن عطية، وقبلهما الزجاج وابن الأنباري، وجوزوا أن يكون جنات عدن مبتدأ، والخبر يدخلونها. وقرأ زيد بن ثابت وأبو عبد الرحمن جنات عدن بالنصب على الاشتغال أي : يدخلون جنات عدن يدخلونها، وهذه القراءة تقوي إعراب جنات عدن بالرفع أنه مبتدأ، ويدخلونها الخبر. وقرأ زيد بن علي : ولنعمت دار، بتاء مضمومة، ودار مخفوض بالإضافة، فيكون نعمت مبتدأ وجنات الخبر. وقرأ السلمي : تدخلونها بتاء الخطاب. وقرأ إسماعيل بن جعفر عن نافع : يدخلونها بياء على الغيبة، والفعل مبني للمفعول، ورويت عن أبي جعفر وشيبة : تجري. قال ابن عطية : في موضع الحال، وقال الحوفي : في موضع نعت لجنات انتهى. فكان ابن عطية لحظ كون جنات عدن معرفة، والحوفي لحظ كونها نكرة، وذلك على الخلاف في عدن هل هي علم؟ أو نكرة بمعنى إقامة؟ والكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف أي : جزاء مثل جزاء الذين أحسنوا يجزي، وطيبين حال من مفعول تتوفاهم، والمعنى : أنهم صالحو الأحوال مستعدّون للموت والطيب الذي لا خبث فيه، ومنه : طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ «١».
وقال أبو معاذ : طيبين طاهرين من الشرك بالكلمة الطيبة. وقيل : طيبين سهلة وفاتهم لا صعوبة فيها ولا ألم، بخلاف ما يقبض روح الكافر والمخلط. وقيل : طيبة نفوسهم

(١) سورة الزمر : ٣٩/ ٧٣.


الصفحة التالية
Icon