البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٣٠
لا يجب على اللّه شيء، لا ثواب عامل ولا غيره من مواجب الحكمة انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. وأكثر الناس هم الكفار المكذبون بالبعث. وأما قول الشيعة : إن الإشارة بهذه الآية إنما هي لعليّ بن أبي طالب، وأن اللّه سيبعثه في الدنيا، فسخافة من القول.
والقول بالرجعة باطل وافتراء على اللّه على عادتهم، رده ابن عباس وغيره. واللام في ليبين متعلقة بالفعل المقدر بعد بلى أي : نبعثهم ليبين لهم كما يقول الرجل : ما ضربت أحدا فيقول : بلى زيدا أي : ضربت زيدا. ويعود الضمير في يبعثهم المقدر، وفي لهم على معنى من في قوله : من يموت، وهو شامل للمؤمنين والكفار. والذي اختلفوا فيه هو الحق وأنهم كانوا كاذبين فيما اعتقدوا من جعل آلهة مع اللّه، وإنكار النبوّات، وإنكار البعث، وغير ذلك مما أمروا به. وبين لهم أنه دين اللّه فكذبوا به وكذبوا في نسبة أشياء إلى اللّه تعالى. وقال الزمخشري : إنهم كذبوا في قولهم : لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيء، وفي قولهم :
لا يبعث اللّه من يموت انتهى. وفي قولهم دسيسة الاعتزال. وقيل : تتعلق ليبين بقوله : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا، أي : ليظهر لهم اختلافهم، وأنّ الكفار كانوا على ضلالة من قبل بعث ذلك الرسول، كاذبون في رد ما يجيء به الرسل.
إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ : لما تقدّم إنكارهم البعث وأكدوا ذلك بالحلف باللّه الذي أوجدهم، ورد عليهم تعالى بقوله : بَلى «١» وذكر حقية وعده بذلك، أوضح أنه تعالى متى تعلقت إرادته بوجود شيء أوجده. وقد أقروا بأنه تعالى خالق هذا العالم سمائه وأرضه، وأن إيجاده ذلك لم يوقف على سبق مادّة ولا آلة، فكما قدر على الإيجاد ابتداء وجب أن يكون قادرا على الإعادة. وتقدم تفسير قوله تعالى : كن فيكون في البقرة، فأغنى عن إعادته. والظاهر أن اللام في لشيء وفي له للتبليغ، كقولك : قلت لزيد قم. وقال الزجاج : هي لام السبب أي : لأجل إيجاد شيء، وكذلك له أي لأجله. قال ابن عطية : وما في ألفاظ هذه الآية من معنى الاستقبال والاستئناف إنما هو راجع إلى المراد، لا إلى الإرادة. وذلك أنّ الأشياء المرادة المكونة في وجودها استئناف واستقبال، لا في إرادة ذلك، ولا في الأمر به، لأن ذينك قديمان. فمن أجل المراد عبر بإذا، ونقول : وأما قوله لشيء فيحتمل وجهين :