البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٣٢
في الدنيا لنحسنن إليهم، فحسنة في معنى إحسانا. وقال أبو البقاء : حسنة مفعول ثان لنبوأنهم، لأنّ معناه لنعطينهم، ويجوز أن يكون صفة لمحذوف أي : دار حسنة انتهى. وقال الحسن، والشعبي، وقتادة : دارا حسنة وهي المدينة. وقيل : التقدير منزلة حسنة، وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموا، وعلى العرب قاطبة، وعلى أهل المشرق والمغرب.
وقال مجاهد : الرزق الحسن. وقال الضحاك : النصر على عدوهم. وقيل : ما استولوا عليه من فتوح البلاد وصار لهم فيها من الولايات. وقيل : ما بقي لهم فيها من الثناء، وما صار فيها لأولادهم من الشرف. وقيل : الحسنة كل شيء مستحسن ناله المهاجرون. وقرأ عليّ، وعبد اللّه، ونعيم بن ميسرة، والربيع بن خيثم : لنثوينهم بالثاء المثلثة
، مضارع أثوى المنقول بهمزة التعدية من ثوى بالمكان أقام فيه، وانتصب حسنة على تقدير إثواءة حسنة، أو على نزع الخافض أي : في حسنة، أي : دار حسنة، أو منزلة حسنة. ودل هذا الإخبار بالمؤكد بالقسم على عظيم محل الهجرة، لأنه بسببها ظهرت قوة الإسلام كما أنّ بنصرة الأنصار قويت شوكته. وفي اللّه دليل على إخلاص العمل للّه، ومن هاجر لغير اللّه هجرته لما هاجر إليه. وفي الإخبار عن الذين بجملة القسم المحذوفة الدال عليها الجملة المقسم عليها دليل على صحة وقوع الجملة القسمية خبرا للمبتدأ، خلافا لثعلب. وأجاز أبو البقاء أن يكون الذين منصوبا بفعل محذوف يدل عليه لنبوأنهم، وهو لا يجوز لأنه لا يفسر إلا ما يجوز له أن يعمل. ولا يجوز زيدا لأضربن، فلا يجوز زيدا لأضربنه. وعن عمر رضي اللّه عنه : أنه كان إذا أعطى رجلا من المهاجرين عطاءه قال : خذ بارك اللّه لك فيه، هذا ما وعدك في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أكثر، ولأجر الآخرة أي : ولأجر الدار الآخرة أكبر، أي : أكبر أن يعلمه أحد قبل مشاهدته كما قال : وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا.
والضمير في يعلمون عائد على الكفار أي : لو كانوا يعلمون أن اللّه يجمع لهؤلاء المستضعفين في أيديهم الدنيا والآخرة لرغبوا في دينهم. وقيل : يعود على المؤمنين أي لو كانوا يعلمون ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم، والذين صبروا على تقديرهم الذين، أو أعني الذين صبروا على العذاب، وعلى مفارقة الوطن، لا سيما حرم اللّه المحبوب لكل قلب مؤمن، فكيف لمن كان مسقط رأسه؟ وعلى بذل الروح في ذات اللّه، واحتمال الغربة في دار لم ينشأ بها، وناس لم يألفهم أجانب حتى في النسب.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ