البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٣٥
لا يشعرون : من الجهة التي لا شعور لهم بمجيء العذاب منها، كما فعل بقوم لوط في تقلبهم في أسفارهم قاله قتادة، أو في منامهم روي هذا وما قبله عن ابن عباس. وقال الضحاك، وابن جريج، ومقاتل : في ليلهم ونهارهم أي : حالة ذهابهم ومجيئهم فيهما.
وقيل : في تقلبهم في مكرهم وحيلهم، فيأخذهم قبل تمام ذلك. وقال الزجاج : جميع ما يتقلبون فيه، فما هم بسابقين اللّه ولا فائتيه. والأخذ هنا الإهلاك كقوله : فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ «١» وعلى تخوف على تنقص قاله : ابن عباس، ومجاهد، والضحاك. وقال ابن قتيبة : يقال خوفته وتخوفته إذا تنقصته وأخذت من ماله وجسمه. وقال الهيثم بن عدي : هو النقص بلغة أزدشنوءة. وفي حديث لعمر أنه سأل عن التخوف، فأجابه شيخ : بأنه التنقص في لغة هذيل. وأنشده قول أبي كثير الهذلي :
تخوف الرجل منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السقر
وهذا التخوف بمعنى التنقص، قيل : من أعماله، وقيل : يأخذ واحدا بعد واحد، ورويا عن ابن عباس. وقال الزجاج : ينقص ثمارهم وأموالهم حتى يهلكهم. وقيل : على تخوف، على خوف أن يعاقبهم أو يتجاوز عنهم قاله قتادة. وقال الزمخشري : على تخوف متخوفين، وهو أن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا، فيأخذهم بالعذاب وهم متخوفون متوقعون، وهو خلاف قوله : من حيث لا يشعرون انتهى. وقاله الضحاك، يأخذ قرية فتخاف القرية الأخرى. وقال ابن بحر : على تخوف ضد البغتة أي : على حدوث حالات يخاف منها كالرياح والزلازل والصواعق، ولهذا ختم بقوله تعالى : إن ربكم لرؤوف رحيم، لأنّ في ذلك مهلة وامتداد وقت، فيمكن فيه التلافي. وقال الليث بن سعد : على تخوف على عجل. وقيل : على تقريع بما قدّموه، وهذا مروي عن ابن عباس. ولما كان تعالى قادرا على هذه الأمور ولم يعاجلهم بها ناسب وصفه بالرأفة والرحمة.
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ : لما ذكر تعالى قدرته على تعذيب الماكرين وإهلاكهم بأنواع من الأخذ، ذكر تعالى طواعية ما خلق من غيرهم وخضوعه ضد حال الماكرين، لينبههم على أنه ينبغي بل يجب عليهم أن يكونوا طائعين