البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٣٧
وقال امرؤ القيس :
تيممت العين التي عند ضارج يفيء عليها الظل عرمضها طام
وعن رؤبة ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وظل ما لم تكن عليه فهو ظل، وذلك أنّ الشمس من طلوعها إلى وقت الزوال تنسخ الظل، فإذا زالت رجع، ولا يزال ينمو إلى أن تغيب. والمشهور أنّ الفيء لا يكون إلا بعد الزوال، والاعتبار في هذه الآية من أول النهار إلى آخره. فمعنى تتفيؤ تتنقل وتميل، وأضاف الظلال وهي جمع إلى ضمير مفرد، لأنه ضمير ما، وهو جمع من حيث المعنى لقوله : لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ «١» وقال صاحب اللوامح : في قراءة عيسى ظلله، وظله الغيم وهو جسم، وبالكسر الفيء وهو عرض في العامة : فرأى عيسى أن التفيؤ الذي هو الرجوع بالأجسام أولى، وأما في العامة فعلى الاستعارة انتهى.
قالوا في قوله : عن اليمين والشمائل، بحثان، أحدهما : ما المراد بذلك. والثاني :
ما الحكمة في إفراد اليمين وجمع الشمائل؟ أما الأول فقالوا : يمين الفلك وهو المشرق.
وشماله هو المغرب. وخص هذان الاسمان بهذين الجانبين لأن أقوى جانبي الإنسان يمينه، ومنه تظهر الحركة الفلكية اليومية آخذة من المشرق إلى المغرب، لا جرم كان المشرق يمين الفلك والمغرب شماله، فعلى هذا تقول الشمس عند طلوعها إلى وقت انتهائها إلى وسط الفلك يقع الظلال إلى الجانب الغربي، فإن انحدرت من وسط الفلك عن الجانب الغربي وقعت الظلال في الجانب الشرقي، فهذا المراد من تفيؤ الظلال من اليمين إلى الشمال. وقيل : البلدة التي عرضها أقل من مقدار الميل تكون الشمس في الصيف عن يمين البلدة فتقع الظلال على يمينهم. وقال الزمخشري : المعنى أو لم يروا إلى ما خلق اللّه من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن أيمانها وشمائلها عن جانبي كل واحد منها وشقيه، استعارة من يمين الإنسان وشماله بجانبي الشيء أي : ترجع الظلال من جانب إلى جانب انتهى. وقال ابن عطية : والمقصود العبرة في هذه الآية، هو كل جرم له ظل كالجبال والشجر وغير ذلك، والذي يترتب فيه أيمان وشمائل إنما هو البشر فقط، لكن ذكر الأيمان والشمائل هنا على حسب الاستعارة لغير اللبس تقدره : ذا يمين وشمال، وتقدره :
بمستقبل أي جهة شئت، ثم تنظر ظله فتراه يميل إما إلى جهة اليمين وإما إلى جهة