البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٤٠
وجودها. وذهبت فرقة إلى أن السجود هنا حقيقة. قال الضحاك : إذا زالت الشمس سجد كل شيء قبل القبلة من نبت وشجر، ولذلك كان الصالحون يستحبون الصلاة في ذلك الوقت. وقال مجاهد : إنما تسجد الظلال دون الأشخاص، وعنه أيضا إذا زالت الشمس سجد كل شيء. وقال الحسن : أما ظلك فيسجد للّه، وأما أنت فلا تسجد له. وقيل : لما كانت الظلال ملصقة بالأرض واقعة عليها على هيئة الساجد وصفت بالسجود، وكون السجود يراد به الحقيقة وهو الوقوع على الأرض على سبيل العبادة وقصدها يبعد، إذ يستدعي ذلك الحياة والعلم والقصد بالعبادة. وخصّ الظل بالذكر لأنه سريع التغير، والتغير يقتضي مغيرا غيره ومدبرا له، ولما كان سجود الظلال في غاية الظهور بدىء به، ثم انتقل إلى سجود ما في السموات والأرض. ومن دابة : يجوز أن يكون بيانا لما في الظرفين، ويكون من في السموات خلق يدبون. ويجوز أن يكون بيانا لما في الأرض، ولهذا قال ابن عباس : يريد كل ما دب على الأرض. وعطف والملائكة على ما في السموات وما في الأرض، وهم مندرجون في عموم ما تشريفا لهم وتكريما، ويجوز أن يراد بهم الحفظة التي في الأرض، وبما في السموات ملائكتهنّ، فلم يدخلوا في العموم. قيل : بين تعالى في آية الظلال أن الجمادات بأسرها منقادة للّه، بين أنّ أشرف الموجودات وهم الملائكة، وأخسها وهي الدواب منقادة له تعالى، ودل ذلك على أن الجميع منقاد للّه تعالى. وقيل :
الدابة اسم لكل حيوان جسماني يتحرك ويدب، فلما ميز اللّه تعالى الملائكة عن الدابة، علمنا أنها ليست مما يدب، بل هي أرواح مختصة بحركة انتهى. وهو قول فلسفي. ولما كان بين المكلفين وغيرهم قدر مشترك في السجود وهو الانقياد لإرادة اللّه، جمع بينهما فيه وإن اختلفا في كيفية السجود.
وقال الزمخشري :(فإن قلت) : فهلا جيء بمن دون ما تغليبا للعقلاء من الدواب على غيرهم؟ (قلت) : لأنه لو جيء بمن لم يكن فيه دليل على التغليب، فكان متناولا للعقلاء خاصة، فجيء بما هو صالح للعقلاء وغيرهم إرادة العموم انتهى. وظاهر السؤال تسليم أنّ من قد تشمل العقلاء وغيرهم على جهة التغليب، وظاهر الجواب تخصيص من بالعقلاء، وأنّ الصالح للعقلاء وغيرهم ما دون من، وهذا ليس بجواب، لأنه أورد السؤال على التسليم، ثم ذكر الجواب على غير التسليم فصار المعنى : أن من يغلب بها، والجواب لا يغلب بها، وهذا في الحقيقة ليس بجواب، والظاهر أنّ الضمير في قوله :
يخافون، عائد على المنسوب إليهم السجود. في وللّه يسجد، وقاله أبو سليمان الدمشقي.