البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٤٩
حزن. وتوارى أياما يدبر فيها ما يصنع. أيمسكه قبله حال محذوفة دل عليها المعنى، والتقدير : مفكرا أو مدبرا أيمسكه؟ وذكر الضمير ملاحظة للفظ ما في قوله : من سوء ما بشر به. وقرأ الجحدري : أيمسكها على هوان، أم يدسها بالتأنيث عودا على قوله : بالأنثى، أو على معنى ما بشر به، وافقه عيسى على قراءة هوان على وزن فعال. وقرأت فرقة : أيمسكه بضمير التذكير، أم يدسها بضمير التأنيث. وقرأت فرقة : على هون بفتح الهاء. وقرأ الأعمش : على سوء، وهي عندي تفسير لا قراءة، لمخالفتها السواد المجمع عليه. ومعنى الإمساك حبسه وتربيته، والهون الهوان كما قال : عَذابَ الْهُونِ «١» والهون بالفتح الرفق واللين، يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً «٢» وفي قوله : على هون قولان : أحدهما : أنه حال من الفاعل، وهو مروي عن ابن عباس. قال ابن عباس : إنه صفة للأب، والمعنى :
أيمسكها مع رضاه بهوان نفسه، وعلى رغم أنفه؟ وقيل : حال من المفعول أي : أيمسكها مهانة ذليلة، والظاهر من قوله : أم يدسه في التراب، إنه يئدها وهو دفنها حية حتى تموت.
وقيل : دسها إخفاؤها عن الناس حتى لا تعرف كالمدسوس في التراب. والظاهر من قوله :
ألا ساء ما يحكمون، رجوعه إلى قوله : ويجعلون للّه البنات الآية أي : ساء ما يحكمون في نسبتهم إلى اللّه ما هو مستكره عندهم، نافر عنهن طبعهم، بحيث لا يحتملون نسبتهن إليهن، ويئدونهن استنكافا منهن، وينسبون إليهم الذكر كما قال : أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى «٣» وقال ابن عطية : ومعنى الآية يدبر أيمسك هذه الأنثى على هوان يتجلد له، أم يئدها فيدفنها حية فهو الدس في التراب؟ ثم استقبح اللّه سوء فعلهم وحكمهم بهذا في بناتهم ورزق الجميع على اللّه انتهى. فعلق ألا ساء ما يحكمون بصنعهم في بناتهم مثل السوء. قيل : مثل بمعنى صفة أي : صفة السوء، وهي الحاجة إلى الأولاد الذكور وكراهة الإناث، ووأدهن خشية الإملاق وإقرارهم على أنفسهم بالشح البالغ. وللّه المثل الأعلى أي : الصفة العليا، وهي الغنى عن العالمين، والنزاهة عن سمات المحدثين. وقيل : مثل السوء هو وصفهم اللّه تعالى بأن له البنات، وسماه مثل السوء لنسبتهم الولد إلى اللّه، وخصوصا على طريق الأنوثة التي هم يستنكفون منها. وقال ابن عباس : مثل السوء النار.
وقال ابن عطية : قالت فرقة مثل بمعنى صفة أي : لهؤلاء صفة السوء، وللّه الوصف الأعلى، وهذا لا نضطرّ إليه لأنه خروج عن اللفظ، بل قوله : مثل، على بابه وذلك أنهم إذا قالوا :
(٢) سورة الفرقان : ٢٥/ ٦٣.
(٣) سورة النجم : ٥٣/ ٢١.