البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٥
الألوهية، بين عجزهم عن هذا النوع من صفات الإله وهو الهداية إلى الحق وإلى مناهج الصواب، وقد أعقب الخلق بالهداية في القرآن في مواضع قال تعالى حكاية عن الكليم :
قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى «١» وقال : الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى «٢» فاستدل بالخلق والهداية على وجود الصانع، وهما حالان للجسد والروح. ولما كانت العقول يلحقها الاضطراب والغلط، بيّن تعالى أنه لا يهديهما إلا هو بخلاف أصنامهم ومعبوداتهم، فإنه ما كان منها لا روح فيه جماد لا تأثير له، وما فيه روح فليس قادرا على الهداية، بل اللّه تعالى هو الذي يهديه. وهدى تتعدّى بنفسها إلى اثنين، وإلى الثاني بإلى وباللام. ويهدي إلى الحق حذف مفعوله الأول، ولا يصح أن يكون لازما بمعنى يهتدي، لأن مقابله إنما هو متعد، وهو قوله قل : اللّه يهدي للحق أي يهدي من يشاء إلى الحق. وقد أنكر المبرد ما قاله الكسائي والفراء وتبعهما الزمخشري من أن يكون هدى بمعنى اهتدى، وقال : لا نعرف هذا. وأحق ليست أفعل تفضيل، بل المعنى حقيق بأن يتبع. ولما كانوا معتقدين أنّ شركاءهم تهدي إلى الحق، ولا يسلمون حصر الهداية للّه تعالى أمر نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يبادر بالجواب فقال : قل اللّه يهدي للحق، ثم عادل في السؤال بالهمزة وأم بين من هو حقيق بالاتباع، ومن هو غير حقيق، وجاء على الأفصح الأكثر من فصل أم مما عطفت عليه بالخبر كقوله : أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ «٣» بخلاف قوله : أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ «٤» وسيأتي القول في ترجيح الوصل هنا في موضعه إن شاء اللّه تعالى.
وقرأ أهل المدينة إلا ورشا : أمن لا يهدي بفتح الياء وسكون الهاء وتشديد الدال، فجمعوا بين ساكنين. قال النحاس : لا يقدر أحد أن ينطق به. وقال المبرد : من رام هذا لا بد أن يحرك حركة خفيفة، وسيبويه يسمي هذا اختلاس الحركة. وقرأ أبو عمرو وقالون في رواية كذلك : إلا أنه اختلس الحركة. وقرأ ابن عامر، وابن كثير، وورش، وابن محيصن : كذلك إلا أنهم فتحوا الهاء وأصله يهتدي، فقلب حركة التاء إلى الهاء، وأدغمت التاء في الدال. وقرأ حفص، ويعقوب، والأعمش عن أبي بكر كذلك، إلا أنهم كسروا الهاء لما اضطر إلى الحركة حرّك بالكسر. قال أبو حاتم : هي لغة سفلى مضر. وقرأ أبو بكر في رواية يحيى بن آدم كذلك، إلا أنه كسر الياء. ونقل عن سيبويه أنه لا يجيز يهدي،

(١) سورة طه : ٢٠/ ٥٠.
(٢) سورة الأعلى : ٨٧/ ٢ - ٣.
(٣) سورة الفرقان : ٢٥/ ١٥.
(٤) سورة الأنبياء : ٢١/ ١٠٩.


الصفحة التالية
Icon