البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٥٠
أن البنات للّه فقد جعلوا للّه مثلا، فالبنات من البشر وكثرة البنات مكروه عندهم ذميم فهو المثل السوء. والذي أخبر اللّه تعالى أنهم لهم وليس في البنات فقط، بل لما جعلوه هم البنات جعله هو لهم على الإطلاق في كل سوء، ولا غاية أبعد من عذاب النار. وقوله : وللّه المثل الأعلى، على الإطلاق أي : الكمال المستغنى. وقال قتادة : المثل الأعلى لا إله إلا اللّه انتهى، وقول قتادة مروي عن ابن عباس. ولما تقدم قوله : ويجعلون للّه البنات الآية تقدم ما نسبوا إلى اللّه، وأتى ثانيا ما كان منسوبا لأنفسهم، وبدأ هنا بقوله : للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء، وأتى بعد ذلك بما يقابل قوله : سبحانه وتعالى من التنزيه وهو قوله : وللّه المثل الأعلى، وهو الوصف المنزه عن سمات الحدوث والتوالد، وهو الوصف الأعلى الذي ليس يشركه فيه غيره، وناسب الختم بالعزيز وهو الذي لا يوجد نظيره، الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها.
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ وَيَجْعَلُونَلِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
لما حكى اللّه تعالى عن الكفار عظيم ما ارتكبوه من الكفر ونسبة التولد له، بيّن تعالى أنه يمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة إظهارا لفضله ورحمته. ويؤاخذ : مضارع آخذ، والظاهر أنه بمعنى المجرد الذي هو أخذه. وقال ابن عطية : كان أحد المؤاخذين يأخذ من الآخر، إما بمعصية كما هي في حق اللّه تعالى، أو بإذاية في جهة المخلوقين، فيأخذ الآخر من الأول بالمعاقبة والجزاء انتهى. والظاهر : عموم الناس. وقيل : أهل مكة، والباء في بظلمهم للسبب. وظلمهم كفرهم ومعاصيهم. والضمير في عليها عائد على غير مذكور، ودل على أنه الأرض قوله :
من دابة، لأن الدبيب من الناس لا يكون إلا في الأرض، فهو كقوله : فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً «١» أي بالمكان لأن وَالْعادِياتِ «٢» معلوم أنها لا تعدو إلا في مكان، وكذلك الإثارة والنقع.
والظاهر عموم من دابة فيهلك الصالح بالطالح، فكان يهلك جميع ما يدب على الأرض
(٢) سورة العاديات : ١٠٠/ ١.