البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٧٢
حملت على إذا لجامع ما اشتركا فيه من الشرطية، ثم حذفت الياء من لا يأت تخفيفا، أو جزمه على توهم أنه نطق بأينما المهملة معملة لقراءة من قرأ أنه من يتقي ويصبر في أحد الوجهين، ويكون معنى يوجه يتوجه، فهو فعل لازم لا متعد.
ثم ذكر تعالى أنه له غيب السموات والأرض، وهو ما غاب عن العباد وخفي فيهما عنهم علمه. والظاهر اتصاله بقوله : إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «١» أخبر باستئثاره بعلم غيب السموات والأرض، بكمال قدرته على الإتيان بالساعة التي تنكرونها في لمحة البصر أو أقرب، والمعنى بهذا الإخبار : أنّ الآلهة التي تعبدونها منتف عنها هذان الوصفان اللذان للإله وهما : العلم المحيط بالمغيبات، والقدرة البالغة التامّة. ومن ذكر أنّ قوله : ومن يأمر بالعدل هو اللّه تعالى، ذكر ارتباط هذه الجملة بما قبلها بأنّ من يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو الكامل في العلم والقدرة، فبين ذلك بهذه الجملة. قيل : والغيب هنا ما لا يدرك بالحس، ولا يفهم بالعقل. وقال المفضل : ما غاب عن الخلق هو في قبضته لا يعزب عنه. وقيل : هو ما في قوله : إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ «٢» وقال الزمخشري : أو أراد بغيب السموات والأرض يوم القيامة، على أن علمه غائب عن أهل السموات والأرض لم يطلع عليه أحد منهم. قيل : لما كانت الساعة آتية ولا بد، جعلت من القرب كلمح البصر. وقال الزجاج : لم يرد أنّ الساعة تأتي في لمح البصر، وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها أي : يقول للشيء كن فيكون. وقيل : هذا تمثيل للقرب كما تقول : ما السنة إلا لحظة. وقال الزمخشري : هو عند اللّه وإن تراخى، كما يقولون أنتم في الشيء التي تستقربونه : كلمح البصر، أو هو أقرب إذا بالغتم في استقرابه ونحوه قوله :
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ «٣» ولَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ «٤» وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ «٥» أي هو عنده دان، وهو عندكم بعيد. وقيل : المعنى أنّ إقامة الساعة وإماتة الأحياء، وإحياء الأموات من الأولين والآخرين، يكون في أقرب وقت أوحاه. أنّ اللّه على كل شيء قدير، فهو يقدر على أن يقيم الساعة، ويبعث الخلق، لأنه بعض المقدورات.
وقال ابن عطية : والمعنى على ما قال قتادة وغيره، وما تكون الساعة وإقامتها في قدرة اللّه تعالى إلا أن يقول لها : كن فلو اتفق أن يقف على ذلك شخص من البشر لكانت من السرعة
(٢) سورة لقمان : ٣١/ ٣٤.
(٣) سورة الحج : ٢٢/ ٤٧.
(٤) سورة الحج : ٢٢/ ٤٧.
(٥) سورة الحج : ٢٢/ ٤٧.