البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٨٨
وعقد اللّه علم لما عقده الإنسان والتزمه مما يوافق الشريعة. وقال الزمخشري : هي البيعة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ «١» وكأنه لحظ ما قيل أنها نزلت في الذين بايعوا الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم على الإسلام، رواه عن بريدة. وقال قتادة ومجاهد : فيما كان من تحالف الجاهلية في أمر بمعروف أو نهي عن منكر. وقال ميمون بن مهران : الوفاء لمن عاهدته مسلما كان أو كافرا، فإنما العهد للّه. وقال الأصم : الجهاد وما فرض في الأموال من حق. وقيل : اليمين باللّه، ولا تنقضوا العهود الموثقة بالإيمان، نهى عن نقضها تهمما بها بعد توكيدها أي : توثيقها باسم اللّه وكفالة اللّه وشهادته، ومراقبته، لأن الكفيل مراع لحال المكفول به. ولا تكونوا أي : في نقض العهد بعد توكيده باللّه كالمرأة الورهاء تبرم فتل غزلها ثم تنقضه نكثا، وهو ما يحل فتله. والتشبيه لا يقتضي تعيين المشبه به. وقال السدي، وعبد اللّه بن كثير : هي امرأة حمقاء كانت بمكة. وعن الكلبي ومقاتل : هي من قريش خرقاء اسمها ريطة بنت سعد بن تيم، تلقب بجفراء، اتخذت مغزلا قدر ذراع، وصنارة مثل أصبع، وفلكة عظيمة على قدرها، فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر، ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن. وعن مجاهد : هذا فعل نساء أهل نجد، تنقض إحداهن غزلها ثم تنفشه، وتخلطه بالصوف فتغزله. وقال ابن الأنباري : ريطة بنت عمرو المرية، ولقبها الجفراء من أهل مكة، وكانت معروفة عند المخاطبين. والظاهر أنّ المراد بقوله : من بعد قوّة أي : شدة حدثت من تركيب قوى الغزل. ولو قدرناها واحدة القوى لم تكن تنتقض أنكاثا. والنكث في اللغة الحبل إذا انتقضت قواه.
وقال مجاهد : المعنى من بعد إمرار قوة. والدخل : الفساد والدغل، جعلوا الإيمان ذريعة إلى الخدع والغدر، وذلك أن المحلوف له مطمئن، فيمكن الحالف ضره بما يريده. قالوا : نزلت في العرب كانوا إذا حالفوا قبيلة فجاء أكثر منها عددا حالفوه وغدروا بالتي كانت أقل. وقيل : أن تكونوا أنتم أزيد خبرا، فأسند إلى أمة، والمراد المخاطبون. وقال ابن بحر : الدخل والداخل في الشيء لم تكن منه، ودخلا مفعول ثان. وقيل : مفعول من أجله، وأن تكون أي : بسبب أن تكون وهي أربى مبتدأ وخبر. وأجاز الكوفيون أن تكون هي عمادا يعنون فضلا، فيكون أربى في موضع نصب، ولا يجوز ذلك عند البصريين لتنكير أمة. والضمير في به عائد على المصدر المنسبك من أن تكون أي : بسبب كون أمة أربى من أمة يختبركم بذلك. قال الزمخشري : لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد اللّه، وما عقدتم على أنفسكم ووكدتم من

(١) سورة الفتح : ٤٨/ ١٠.


الصفحة التالية
Icon