البحر المحيط، ج ٦، ص : ٦٠٩
بمعصية مولاه. وقال الضحاك : باغترار الحال عن المآل. وقال العسكري : ليس المعنى أنه يغفر لمن يعمل السوء بجهالة، ولا يغفر لمن عمله بغير جهالة، بل المراد أن جميع من تاب فهذا سبيله، وإنما خص من يعمل السوء بجهالة، لأنّ أكثر من يأتي الذنوب يأتيها بقلة فكر في عاقبة، أو عند غلبة شهوة، أو في جهالة شباب، فذكر الأكثر على عادة العرب في مثل ذلك. والإشارة بذلك إلى عمل السوء، وأصلحوا : استمروا على الإقلاع عن تلك المعصية. وقيل : أصلحوا آمنوا وأطاعوا، والضمير في من بعدها عائد على المصادر المفهومة من الأفعال السابقة أي : من بعد عمل السوء والتوبة والإصلاح. وقيل : يعود على الجهالة. وقيل : على السوء على معنى المعصية.
إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ : لما أبطل تعالى مذاهب المشركين في هذه السورة من إثبات الشركاء للّه، والطعن في نبوّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وتحليل ما حرّم، وتحريم ما أحل، وكانوا مفتخرين بجدهم إبراهيم عليه السلام مقرين بحسن طريقته ووجوب الاقتداء به، ذكره في آخر السورة وأوضح منهاجه، وما كان عليه من توحيد اللّه تعالى ورفض الأصنام، ليكون ذلك حاملا لهم على الاقتداء به. وأيضا فلما جرى ذكر اليهود بيّن طريقة إبراهيم ليظهر الفرق بين حاله وحالهم، وحال قريش. وقال مجاهد : سمي أمّة لانفراده بالإيمان في وقته مدّة ما. وفي البخاري أنه قال لسارة : ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك.
والأمة لفظ مشترك بين معان منها : الجمع الكثير من الناس، ثم يشبه به الرجل الصائم، أو الملك، أو المنفرد بطريقة وحده عن الناس فسمي أمة، وقاله ابن مسعود والفراء وابن قتيبة. وقال ابن عباس : كان عنده من الخير ما كان عنده أمة، ومن هنا أخذ الحسن بن هانىء قوله :
وليس على اللّه بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
وعن ابن مسعود : إنه معلم الخير، وأطلق هو وعمر ذلك على معاذ فقال : كان أمة قانتا. وقال ابن الأنباري : هذا مثل قول العرب : فلان رحمة، وعلامة، ونسابة، يقصدون بالتأنيث التناهي في المعنى الموصوف به. وقيل : الأمة الإمام الذي يقتدي به من أم يؤم،


الصفحة التالية
Icon