البحر المحيط، ج ٦، ص : ٦١١
(قلت) : يحتمل أن يكون المراد متابعته في كيفية الدعوة إلى التوحيد، وهي أن يدعو إليه بطريق الرفق والسهولة، وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى بأنواع كثيرة على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن انتهى. ولا يحتاج إلى هذا، لأنّ المعتقد الذي تقتضيه دلائل العقول لا يمتنع أن يوحي لتظافر المعقول والمنقول على اعتقاده. ألا ترى إلى قوله تعالى : قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ «١» فليس اعتقاد الوحدانية بمجرد الوحي فقط، وإنما تظافر المنقول عن اللّه في ذلك مع دليل العقل. وكذلك هنا أخبر تعالى أنّ ابراهيم لم يكن مشركا، وأمر الرسول باتباعه في ذلك، وإن كان انتفاء الشرك ليس مستنده مجرد الوحي، بل الدليل العقلي والدليل الشرعي تظافرا على ذلك. وقال ابن عطية : قال مكي : ولا يكون - يعني حنيفا - حالا من ابراهيم لأنه مضاف إليه، وليس كما قال لأنّ الحال قد تعمل فيها حروف الخفض إذا عملت في ذي الحال كقولك : مررت بزيد قائما انتهى. أما ما حكى عن مكي وتعليله امتناع ذلك بكونه مضافا إليه، فليس على إطلاق هذا التعليل لأنه إذا كان المضاف إليه في محل رفع أو نصب، جازت الحال منه نحو : يعجبني قيام زيد مسرعا، وشرب السويق ملتوتا. وقال بعض النحاة : ويجوز أيضا ذلك إذا كان المضاف جزءا من المضاف إليه كقوله : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ «٢» إخوانا أو كالجزء منه كقوله : مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً «٣» وقد بينا الصحيح في ذلك فيما كتبناه على التسهيل، وعلى الألفية لابن مالك.
وأما قول ابن عطية في رده على مكي بقوله : وليس كما قال، لأنّ الحال إلى آخره فقول بعيد عن قول أهل الصنعة، لأن الباء في بزيد ليست هي العاملة في قائما، وإنما العامل في الحال مررت، والباء وإن عملت الجر في زيد فإنّ زيدا في موضع نصب بمررت، وكذلك إذا حذف حرف الجر حيث يجوز حذفه نصب الفعل ذلك الاسم الذي كان مجرورا بالحرف. ولما أمر اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم باتباع ملة ابراهيم عليه السلام، وكان الرسول قد اختار يوم الجمعة، فدل ذلك على أنه كان في شرع ابراهيم، بين أنّ يوم السبت لم يكن تعظيمه، واتخاذه للعبادة من شرع ابراهيم ولا دينه، والسبت مصدر، وبه سمي اليوم. وتقدم الكلام في هذا اللفظ في الأعراف. قال الزمخشري : سبتت اليهود إذا عظمت سبتها والمعنى : إنما جعل وبال السبت وهو المسخ على الذين اختلفوا فيه، واختلافهم
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ٤٣.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ١٣٥.