البحر المحيط، ج ٦، ص : ٦١٣
القريب الواقع من النفس أجمل موقع. وعن ابن عباس : أنّ الحكمة القرآن، وعنه : الفقه.
وقيل : النبوّة. وقيل : ما يمنع من الفساد من آيات ربك المرغبة والمرهبة. والموعظة الحسنة مواعظ القرآن عن ابن عباس، وعنه أيضا : الأدب الجميل الذي يعرفونه. وقال ابن جرير : هي العبر المعدودة في هذه السورة. وقال ابن عيسى : الحكمة المعروفة بمراتب الأفعال والموعظة الحسنة أن تختلط الرغبة بالرهبة، والإنذار بالبشارة. وقال الزمخشري :
إلى سبيل ربك الإسلام، بالحكمة بالمقالة المحكمة الصحيحة، وهي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة، والموعظة الحسنة وهي التي لا تخفى عليهم إنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم فيها، ويجوز أن يريد القرآن أي : ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظة حسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة ولا تعنيف. وقال ابن عطية : الموعظة الحسنة التخويف والترجئة والتلطف بالإنسان بأن تجله وتنشطه، وتجعله بصورة من قبل الفضائل ونحو هذا. وقالت فرقة : هذه الآية منسوخة بآية القتال، وقالت فرقة : هي محكمة.
وإن عاقبتم أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة وغيره في يوم أحد، ووقع ذلك في صحيح البخاري، وفي كتاب السير. وذهب النحاس إلى أنها مكية، والمعنى متصل بما قبلها اتصالا حسنا، لأنها تتدرج الذنب من الذي يدعي، وتوعظ إلى الذي يجادل، إلى الذي يجازى على فعله، ولكن ما روى الجمهور أثبت انتهى.
وذهبت فرقة منهم ابن سيرين ومجاهد : إلى أنها نزلت فيمن أصيب بظلامة أن لا ينال من ظالمه إذا تمكن الأمثل ظلامته لا يتعداها إلى غيرها، وسمى المجازاة على الذنب معاقبة لأجل المقابلة، والمعنى : قابلوا من صنع بكم صنيع سوء بمثله، وهو عكس : وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ «١». المجاز في الثاني وفي : وإن عاقبتم في الأول. وقرأ ابن سيرين : وإن عقبتم فعقبوا بتشديد القافين أي : وإن قفيتم بالانتصار فقفوا بمثل ما فعل بكم. والظاهر عود الضمير إلى المصدر الدال عليه الفعل مبتدأ بالإضافة إليهم أي : لصبركم وللصابرين أي : لكم أيها المخاطبون، فوضع الصابرين موضع الضمير ثناء من اللّه عليهم بصبرهم على الشدائد، وبصبرهم على المعاقبة. وقيل : يعود إلى جنس الصبر، ويراد بالصابرين جنسهم، فكأنه قيل : والصبر خير للصابرين، فيندرج صبر المخاطبين في الصبر،