البحر المحيط، ج ٦، ص : ٦٧
حال الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم في قومه بين حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم، تسلية له وتطمينا لقلبه. ودلت الآية على أنه تعالى ما أهمل أمة، بل بعث إليها رسولا كما قال تعالى : وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ «١» وقوله : فإذا جاء رسولهم، إما أن يكون إخبارا عن حالة ماضية فيكون ذلك في الدنيا، ويكون المعنى : أنه بعث إلى كل أمة رسولا يدعوهم إلى دين اللّه وينبئهم على توحيده، فلما جاءهم بالبينات كذبوه، فقضى بينهم أي :
بين الرسول وأمته، فأنجى الرسول وعذب المكذبون. وإما أن يكون على حالة مستقبلة أي : فإذا جاءهم رسولهم يوم القيامة للشهادة عليهم قضى بينهم، أي : بين الأمة بالعدل، فصار قوم إلى الجنة وقوم إلى النار، فهذا هو القضاء بينهم قاله : مجاهد وغيره. ويكون كقوله تعالى : وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ «٢».
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : الضمير في ويقولون، عائد على مشركي قريش ومن تابعهم من منكري الحشر، استعجلوا بما وعدوا به من العذاب على سبيل الاستبعاد، أو على سبيل الاستخفاف، ولذلك قالوا : إن كنتم صادقين أي : لستم صادقين فيما وعدتم به فلا يقع شيء منه. وقولهم هذا يشهد للقول الأول في الآية قبلها، وأنها حكاية حال ماضية. وأنّ معنى ذلك : فإذا جاءهم الرسول وكذبوه قضى بينهم في الدنيا، وأنّ كل رسول وعد أمته بالعذاب في الدنيا وإن هي كذبت.
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ : لما التمسوا تعجيل العذاب أو تعجيل الساعة، أمره عليه السلام أن يقول لهم : ليس ذلك إليّ، بل ذلك إلى اللّه تعالى. وإذا كنت لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا فكيف أملكه لغيري؟ أو كيف أطلع على ما لم يطلعني عليه اللّه؟
ولكن لكل أمة أجل انفرد بعلمه تعالى. وتقدم الكلام على نظير قوله لكل أمة أجل إلى آخر الآية في الأعراف «٣». وقرأ ابن سيرين : آجالهم على الجمع. وإلا ما شاء اللّه ظاهره أنه استثناء متصل، إلا ما شاء اللّه أن أملكه وأقدر عليه. وقال الزمخشري : هو استثناء منقطع أي : ولكن ما شاء اللّه من ذلك كائن، فكيف أملك لكم الضرر وجلب العذاب. ولكل أمة أجل أي : إنّ عذابكم له أجل مضروب عند اللّه.
(٢) سورة الزمر : ٣٩/ ٦٩.
(٣) سورة الأعراف : ٧/ ٣٤.