البحر المحيط، ج ٦، ص : ٦٩
فالتقدير إن فعلت فأنت ظالم. وكذلك وإنا إن شاء اللّه لمهتدون التقدير : إن شاء اللّه نهتد.
فالذي يسوغ أن يقدر إن أتاكم عذابه فأخبروني ماذا يستعجل.
وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون ماذا يستعجل منه المجرمون اعتراضا والمعنى :
إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان؟ انتهى. أما تجويزه أن يكون ماذا جوابا للشرط فلا يصح، لأنّ جواب الشرط إذا كان استفهاما فلا بد فيه من الفاء، تقول : إن زارنا فلان فأي رجل هو، وإن زارنا فلان فأي يد له بذلك، ولا يجوز حذفها إلا إن كان في ضرورة، والمثال الذي ذكره وهو : إن أتيتك ماذا تطعمني؟ هو من تمثيله، لا من كلام العرب. وأما قوله : ثم تتعلق الجملة بأرأيتم، إن عنى بالجملة ما ذا يستعجل فلا يصح ذلك لأنه قد جعلها جوابا للشرط، وإن عني بالجملة جملة الشرط فقد فسر هو أرأيتم بمعنى أخبرني، وأخبرني تطلب متعلقا مفعولا، ولا تقع جملة الشرط موقع مفعول أخبرني. وأما تجويزه أن يكون أثم إذا ما وقع آمنتم به جواب الشرط، وماذا يستعجل منه المجرمون اعتراضا فلا يصح أيضا، لما ذكرناه من أنّ جملة الاستفهام لا تقع جوابا للشرط إلا ومعها فاء الجواب. وأيضا فثم هنا وهي حرف عطف، تعطف الجملة التي بعدها على ما قبلها، فالجملة الاستفهامية معطوفة، وإذا كانت معطوفة لم يصح أن تقع جواب شرط. وأيضا فأرأيتم بمعنى أخبرني تحتاج إلى مفعول، ولا تقع جملة الشرط موقعه.
وتقدم الكلام في قوله : بَياتاً «١» في الأعراف مدلولا وإعرابا. والمعنى إن أتاكم عذابه وأنتم ساهون غافلون، إما بنوم وإما باشتغال بالمعاش والكسب، وهو نظير قوله :
بَغْتَةً «٢» لأن العذاب إذا فاجأ من غير شعور به كان أشد وأصعب، بخلاف أن يكون قد استعد له وتهيىء لحلوله، وهذا كقوله تعالى : بياتا وهم نائمون ضحى وهم يلعبون.
ويجوز في ماذا أن يكون ما مبتدأ وذا خبره، وهو بمعنى الذي، ويستعجل صلته، وحذف الضمير العائد على الموصول التقدير أي : شيء يستعجله من العذاب المجرمون. ويجوز في ماذا أن يكون كله مفعولا كأنه قيل : أي شيء يستعجله من العذاب المجرمون. وقد جوز بعضهم أن يكون ماذا كله مبتدأ، وخبره الجملة بعده. وضعفه أبو عليّ لخلوّ الجملة من ضمير يعود على المبتدأ. والظاهر عود الضمير في منه على العذاب، وبه يحصل الربط لجملة الاستفهام بمفعول أرأيتم المحذوف الذي هو مبتدأ في الأصل. وقيل : يعود على اللّه

(١) سورة الأعراف : ٧/ ٤.
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ٣١ - ٤٤ - ٤٧.


الصفحة التالية
Icon