البحر المحيط، ج ٦، ص : ٧٥
القرآن. وقال الضحاك وزيد بن أسلم عكس هذا، وقال أبو سعيد الخدري : الفضل القرآن، والرحمة أن جعلهم من أهله. وقال ابن عباس فيما روى الضحاك عنه : الفضل العلم والرحمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال ابن عمر : الفضل الإسلام، والرحمة تزيينه في القلوب.
وقال مجاهد : الفضل والرحمة القرآن، واختاره الزجاج. وقال خالد بن معدان : الفضل القرآن، والرحمة السنة. وعنه أيضا أنّ الفضل الإسلام، والرحمة الستر. وقال عمرو بن عثمان : فضل اللّه كشف الغطاء، ورحمته الرؤية واللقاء. وقال الحسين بن فضل : الفضل الإيمان، والرحمة الجنة. وقيل : الفضل التوفيق، والرحمة العصمة. وقيل : الفضل نعمه الظاهرة، والرحمة نعمه الباطنة. وقال الصادق : الفضل المغفرة، والرحمة التوفيق.
وقال ذو النون : الفضل الجنان، ورحمته النجاة من النيران. وهذه تخصيصات تحتاج إلى دلائل، وينبغي أن يعتقد أنها تمثيلات، لأن الفضل والرحمة أريد بهما تعيين ما ذكر وحصرهما فيه.
وقال ابن عطية : وإنما الذي يقتضيه اللفظ ويلزم منه أنّ الفضل هو هداية اللّه إلى دينه والتوفيق إلى اتباع الشرع، والرحمة هي عفوه وسكنى جنته التي جعلها جزاء على اتباع الإسلام والإيمان. ومعنى الآية : قل يا محمد لجميع الناس بفضل اللّه وبرحمته فليقع الفرح منكم، لا بأمور الدنيا وما يجمع من حطامها، فالمؤمنون يقال لهم : فليفرحوا وهم ملتبسون بعلة الفرح وسببه، ومخلصون لفضل اللّه منتظرون لرحمته، والكافرون يقال لهم :
بفضل اللّه ورحمته فليفرحوا على معنى أن لو اتفق لكم أو لو سعدتم بالهداية إلى تحصيل ذلك انتهى. والظاهر أن قوله : قل بفضل اللّه وبرحمته، فبذلك فليفرحوا جملتان، وحذف ما تتعلق به الباء والتقدير : قل بفضل اللّه وبرحمته ليفرحوا، ثم عطفت الجملة الثانية على الأولى على سبيل التوكيد. قال الزمخشري : والتكرير للتقرير والتأكيد، وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا، فحذف أحد الفعلين لدلالة المذكور عليه، والفاء داخلة لمعنى الشرط كأنه قيل : إن فرحوا بشيء فليخصوهما بالفرح، فإنه لا مفروح به أحق منهما. ويجوز أن يراد بفضل اللّه وبرحمته فليعتنوا بذلك، فليفرحوا.
ويجوز أن يراد قد جاءتكم موعظة بفضل اللّه وبرحمته فبذلك أي : فبمجيئهما فليفرحوا انتهى. أما إضمار فليعنتوا فلا دليل عليه، وأما تعليقه بقوله : قد جاءتكم، فينبغي أن يقدر ذلك محذوفا بعد قل، ولا يكون متعلقا بجاءتكم الأولى للفصل بينهما بقل. وقال الحوفي :
الباء متعلقة بما دل على المعنى أي : قد جاءتكم الموعظة بفضل اللّه. وقيل : الفاء الأولى