البحر المحيط، ج ٦، ص : ٧٩
شأن، ومن قرآن تفسير للضمير، وخص من العموم لأنّ القرآن هو أعظم شؤونه عليه السلام. وقيل : يعود على التنزيل، وفسر بالقرآن لأنّ كل جزء منه قرآن، وأضمر قبل الذكر على سبيل التفخيم له. وقيل : يعود على اللّه تعالى أي : وما تتلوا من عند اللّه من قرآن.
والخطاب في قوله : ولا تعملون عام، وكذا إلا كنا عليكم شهودا. وولى إلا هنا الفعل غير مصحوب بقد، لأنه قد تقدم الأفعل. والجملة بعد إلا حال وشهودا رقباء نحصي عليكم، وإذ معمولة لقوله : شهودا. ولما كانت الأفعال السابقة المراد بها الحالة الدائمة وتنسحب على الأفعال الماضية كان الظرف ماضيا، وكان المعنى : وما كنت في شأن وما تلوت من قرآن ولا عملتم من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ أفضتم فيه. وإذ تخلص المضارع لمعنى الماضي، ولما كان قوله : إلا كنا عليكم شهودا فيه تحذير وتنبيه عدل عن خطابه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى خطاب أمته بقوله : ولا تعملون من عمل، وإن كان اللّه شهيدا على أعمال الخلق كلهم.
وتفيضون : تخوضون، أو تنشرون، أو تدفعون، أو تنهضون، أو تأخذون، أو تنقلون، أو تتكلمون، أو تسعون، أقوال متقاربة ثم واجهه تعالى بالخطاب وحده في قوله : وما يعزب عن ربك، تشريفا له وتعظيما. ولما ذكر شهادته تعالى على أعمال الخلق ناسب تقديم الأرض الذي هي محل المخاطبين على السماء، بخلاف ما في سورة سبأ، وإن كان الأكثر تقديمها على الأرض.
وقرأ ابن وثاب، والأعمش، وابن مصرف، والكسائي، يعزب بكسر الزاي، وكذا في سبأ «١». والمثقال اسم لا صفة، ومعناه هنا وزن ذرة. والذر صغار النمل، ولما كانت الذرة أصغر الحيوان المتناسل المشهور النوع عندنا جعلها اللّه مثالا لأقل الأشياء وأحقرها، إذ هي أحقر ما نشاهد. ثم قال : ولا أصغر من ذلك أي : من مثقال ذرة. ولما ذكر تعالى أنه لا يغيب عن علمه أدق الأشياء التي نشاهدها، ناسب تقديم ولا أصغر من ذلك، ثم أتى بقوله : ولا أكبر، على سبيل إحاطة علمه بجميع الأشياء. ومعلوم أنّ من علم أدق الأشياء وأخفاها كان علمه متعلقا بأكبر الأشياء وأظهرها. وقرأ الجمهور : ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بفتح الراء فيهما، ووجه على أنه عطف على ذرة أو على مثقال على اللفظ. وقرأ حمزة وحده : برفع الراء فيهما، ووجه على أنه عطف على موضع مثقال لأن من زائدة فهو مرفوع بيعزب، هكذا وجهه الحوفي وابن عطية وأبو البقاء. وقال الزمخشري تابعا لاختيار الزجاج : والوجه النصب على نفي الجنس، والرفع على الابتداء، يكون كلاما مبتدأ. وفي