البحر المحيط، ج ٦، ص : ٨
النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ
هذه السورة مكية إلا ثلاث آيات، فإنها نزلت بالمدينة، وهي فإن كنت في شك إلى آخرهن، قاله ابن عباس. وقال الكلبي : إلا قوله ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به فإنها نزلت في اليهود بالمدينة. وقال قوم : نزل من أولها نحو من أربعين آية بمكة، ونزل باقيها بالمدينة. وقال الحسن وعطاء وجابر : هي مكية وسبب نزولها : أنّ أهل مكة قالوا : لم يجد اللّه رسولا إلا يتيم أبي طالب فنزلت. وقال ابن جريج : عجبت قريش أن يبعث رجل منهم فنزلت. وقيل : لما حدثهم عن البعث والمعاد والنشور تعجبوا.
ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما أنزل وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ «١» وذكر تكذيب المنافقين ثم قال : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ «٢» وهو محمد صلّى اللّه عليه وسلّم أتبع ذلك بذكر الكتاب الذي أنزل، والنبي الذي أرسل، وأن ديدن الضالين وأحد متابعيهم ومشركيهم في التكذيب بالكتب الإلهية وبمن جاء بها، ولما كان ذكر القرآن مقدّما على ذكر الرسول في آخر السورة، جاء في أول هذه السورة كذلك فتقدم ذكر الكتاب على ذكر الرسول، وتقدم ما قاله المفسرون في أوائل هذه السورة المفتتحة بحروف المعجم، وذكروا هنا أقوالا عن المفسرين منها : أنا اللّه أرى، ومنها أنا اللّه الرحمن، ومنها أنه يتركب منها ومن حم ومن نون الرحمن. فالراء بعض حروف الرحمن مفرقة، ومنها أنا الرب وغير ذلك. والظاهر أن تلك باقية على موضوعها من استعمالها لبعد المشار إليه. فقال مجاهد وقتادة : أشار بتلك إلى الكتب المتقدمة من التوراة والإنجيل والزبور، فيكون الآيات القصص التي وصفت في تلك الكتب. وقال الزجاج : إشارة إلى آيات القرآن التي جرى ذكرها. وقيل : إشارة إلى الكتاب المحكم الذي هو محزون مكتوب عند اللّه، ومنه نسخ كل كتاب كما قال :
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ «٣» وقال : وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ «٤» وقيل : إشارة إلى الراء وأخواتها من حروف المعجم، أي تلك الحروف المفتتح بها السور وإن قربت ألفاظها فمعانيها بعيدة المنال. وهي آيات الكتاب أي الكتاب بها يتلى، وألفاظه إليها ترجع ذكره ابن الأنباري. وقيل : استعمل تلك بمعنى هذه، والمشار إليه حاضر قريب قاله ابن عباس، واختاره أبو عبيدة. فقيل : آيات القرآن. وقيل : آيات السور التي تقدّم ذكرها في
(٢) سورة التوبة : ٩/ ١٢٨.
(٣) سورة البروج : ٨٥/ ٢٢.
(٤) سورة الزخرف : ٤٣/ ٤.