البحر المحيط، ج ٦، ص : ٨٩
لعمرك ما أمري عليّ بغمة نهاري ولا ليلي عليّ بسرمد
وقال الليث : يقال : إنه لفي غمة من أمره إذا لم يتبين له. وقال الزجاج : أمركم ظاهرا مكشوفا، وحسنه الزمخشري فقال : وقد ذكر القول الأول الذي يراد بالأمر فقال :
والثاني أن يراد به ما أريد بالأمر الأول. والغمة السترة، من غمه إذا ستره. ومنه
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«ولا غمة في فرائض اللّه تعالى»
أي لا تستر ولكن يجاهر بها، يعني : ولا يكن قصدكم إلى إهلاكي مستورا عليكم، بل مكشوفا مشهورا تجاهرون به انتهى. ومعني اقضوا إلي :
أنفذوا قضاءكم نحوي، ومفعول اقضوا محذوف أي : اقضوا إليّ ذلك الأمر وامضوا ما في أنفسكم، واقطعوا ما بيني وبينكم. وقرأ السري بن ينعم : ثم أفضوا بالفاء وقطع الألف، أي : انتهوا إليّ بشركم من أفضى بكذا انتهى إليه. وقيل : معناه أسرعوا. وقيل : من أفضى إذا خرج إلى الفضاء أي : فاصحروا به إليّ وأبرزوه. ومنه قول الشاعر :
أبى الضيم والنعمان تحرق نابه عليه فأفضى والسيوف معاقله
ولا تنظرون : أي لا تؤخرون، والنظرة التأخير.
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ : أي : فإن دام توليكم عما جئت به إليكم من توحيد اللّه ورفض آلهتكم فلست أبالي بكم، لأنّ توليكم لا يضرني في خاصتي، ولا قطع عني صلة منكم، إذ ما دعوتكم إليه وذكرتكم به ووعظتكم، لم أسألكم عليه أجرا، إنما يثيبني عليه اللّه تعالى أي : ما نصحتكم إلا لوجه اللّه تعالى لا لغرض من أغراض الدنيا. ثم أخبر أنه أمره أن يكون من المسلمين من المنقادين لأمر اللّه الطائعين له، فكذبوه، فتموا على تكذيبه، وذلك عند مشارفة الهلاك بالطوفان. وفي الفلك متعلق بالاستقرار الذي تعلق به معه، أو بفنجيناه. وجعلناهم جمع ضمير المفعول على معنى من، وخلائف يخلفون الفارقين المهلكين. ثم أمر بالنظر في عاقبة المنذرين بالعذاب، وإلى ما صار إليه حالهم.
وفي هذا الإخبار توعد للكفار بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وضرب مثال لهم في أنهم بحال هؤلاء من التكذيب فسيكون حالهم كحالهم في التعذيب. والخطاب في فانظر للسامع لهذه القصة، وفي ذلك تعظيم لما جرى عليهم، وتحذير لمن أنذرهم الرسول، وتسلية له صلّى اللّه عليه وسلّم.
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ