البحر المحيط، ج ٦، ص : ٩٥
على هذا التأويل بعد ظهور الآية والتعجيز بالعصا، وتكون الفاء مرتبة للمعاني التي عطفت انتهى. ويمكن أن يكون معنى فما آمن أي : ما أظهر إيمانه وأعلن به إلا ذرية من قوم موسى، فلا يدل ذلك على أنّ طائفة من بني إسرائيل كفرت به. والظاهر عود الضمير في قوله : وملاهم، على الذرية وقاله الأخفش، واختاره الطبري أي : أخوف بني إسرائيل الذرية وهم أشراف بني إسرائيل إن كان الضمير في قومه عائدا على موسى، لأنهم كانوا يمنعون أعقابهم خوفا من فرعون على أنفسهم. ويدل عليه قوله تعالى : أن يفتنهم أي يعذبهم. وقال ابن عباس : أن يقتلهم. وقيل : يعود على قومه أي : وملا قوم موسى، أو قوم فرعون. وقيل : يعود على المضاف المحذوف تقديره : على خوف من آل فرعون، قاله الفراء. كما حذف في، وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «١» ورد عليه بأنّ الخوف يمكن من فرعون، ولا يمكن سؤال القرية، فلا يحذف إلا ما دل عليه الدليل. وقد يقال : ويدل على هذا المحذوف جمع الضمير في وملاهم. وقيل : ثم معطوف محذوف يدل عليه كون الملك لا يكون وحده، بل له حاشية وأجناد، وكأنه قيل : على خوف من فرعون وقومه وملاهم أي : ملا فرعون وقومه، وقاله الفراء أيضا : وقيل : لما كان ملكا جبارا أخبر عنه بفعل الجميع. وقيل : سميت الجماعة بفرعون مثل هود. وأن يفتنهم بدل من فرعون بدل اشتمال أي : فتنته، فكون في موضع جر، ويجوز أن يكون في موضع نصب بخوف إما على
التعليل، وإما على أنه في موضع المفعول به، أي : على خوف لأجل فتنته، أو على خوف فتنته. وقرأ الحسن وجراح ونبيح : يفتنهم بضم الياء من أفتن، ولعال متجر أو باغ ظالم، أو متعال أو قاهر كما قال :
فاعمد لما تعلو فما لك بالذي لا تستطيع من الأمور يدان
أي لما تقهر أقوال متقاربة، وإسرافه كونه كثير القتل والتعذيب. وقيل : كونه من أخس العبيد فادعى الإلهية، وهذا الإخبار مبين سبب خوف أولئك المؤمنين منه.
وفي الآية مسلاة للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم بقلة من آمن لموسى ومن استجاب له مع ظهور ذلك المعجز الباهر، ولم يؤمن له إلا ذرية من قومه، وخطاب موسى عليه السلام لمن آمن بقوله : يا قوم، دليل على أن المؤمنين الذرية كانوا من قومه، وخاطبهم بذلك حين اشتد خوفهم مما توعدهم به فرعون من قتل الآباء وذبح الذرية. وقيل : قال لهم ذلك حين قالوا إنا