البحر المحيط، ج ٧، ص : ١٠٠
هو وأمته كخطابه في أَقِمِ الصَّلاةَ. وقال مجاهد والسدّي : إنما هي نافلة له قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر عام الحديبية، فإنما كانت نوافله واستغفاره فضائل من العمل وقربا أشرف من نوافل أمته لأن هذه أعني نوافل أمته إما أن يجبر بها فرائضهم، وإما أن يحط بها خطيئاتهم. وضعف الطبري قول مجاهد واستحسنه أبو عبد اللّه الرازي. وقال مقاتل فله كرامة وعطاء لك. وقيل : كانت فرضا ثم رخص في تركها. ومن حديث زيد بن خالد الجهني : رمق صلاته عليه الصلاة والسلام ليلة فصلى بالوتر ثلاث عشرة ركعة.
وعن عائشة : أنه ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.
وعَسى مدلولها في المحبوبات الترجي. فقيل : هي على بابها في الترجي تقديره لتكن على رجاء من أَنْ يَبْعَثَكَ. وقيل هي بمعنى كي، وينبغي أن يكون هذا تفسير معنى، والأجود أن أن هذه الترجية والإطماع بمعنى الوجوب من اللّه تعالى وهو متعلق من حيث المعنى بقوله : فَتَهَجَّدْ وعَسى هنا تامة وفاعلها أَنْ يَبْعَثَكَ، ورَبُّكَ فاعل بيبعثك ومَقاماً الظاهر أنه معمول ليبعثك هو مصدر من غير لفظ الفعل لأن يبعثك بمعنى يقيمك تقول أقيم من قبره وبعث من قبره. وقال ابن عطية : منصوب على الظرف أي في مقام محمود. وقيل : منصوب على الحال أي ذا مقام. وقيل : هو مصدر لفعل محذوف التقدير فتقوم مَقاماً ولا يجوز أن تكون عَسى هنا ناقصة، وتقدّم الخبر على الاسم فيكون رَبُّكَ مرفوعا اسم عَسى وأَنْ يَبْعَثَكَ الخبر في موضع نصب بها إلا في هذا الإعراب الأخير. وأما في قبله فلا يجوز لأن مَقاماً منصوب بيبعثك ورَبُّكَ مرفوع بعسى فيلزم الفصل بأجنبي بين ما هو موصول وبين معموله. وهو لا يجوز.
وفي تفسير المقام المحمود أقوال :
أحدها : أنه في أمر الشفاعة التي يتدافعها الأنبياء حتى تنتهي إليه صلّى اللّه عليه وسلّم، والحديث في الصحيح وهي عدة من اللّه تعالى له عليه الصلاة والسلام، وفي هذه الشفاعة يحمده أهل الجمع كلهم وفي دعائه المشهور :«وابعثه المقام المحمود الذي وعدته»
واتفقوا على أن المراد منه الشفاعة.
الثاني : أنه في أمر شفاعته لأمته في إخراجه لمذنبهم من النار، وهذه الشفاعة لا تكون إلّا بعد الحساب ودخول الجنة ودخول النار، وهذه لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء. وقد روي حديث هذه الشفاعة وفي آخره :«حتى لا يبقى في النار إلّا من