البحر المحيط، ج ٧، ص : ١٠٥
وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً.
لما ذكر تعالى تنويع ما أنزل من القرآن شفاء ورحمة للمؤمن وبزيادة خسار للظالم، عرّض بما أنعم به وما حواه من لطائف الشرائع على الإنسان، ومع ذلك أَعْرَضَ عنه وبعد بجانبه اشمئزازا له وتكبرا عن قرب سماعه وتبديلا مكان شكر الإنعام كفره. وقرأ الجمهور : وَنَأى من النأي وهو البعد، وقرأ ابن عامر وناء. وقيل هو مقلوب نأى فمعناه بعد. وقيل : معناه نهض بجانبه. وقال الشاعر :
حتى إذا ما التأمت مفاصله وناء في شق الشمال كاهله
أي نهض متوكئا على شماله. ومعنى يَؤُساً قنوطا من أن ينعم اللّه عليه. والظاهر أن المراد بالإنسان هنا ليس واحدا بعينه بل المراد به الجنس كقوله إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ «١» إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً «٢» الآية وهو راجع لمعنى الكافر، والإعراض يكون بالوجه والنأي بالجانب يكون بتولية العطف أو يراد بنأي الجانب الاستكبار لأن ذلك من عادة المستكبرين. والشاكلة قال ابن عباس : ناحيته. وقال مجاهد : طبيعته. وقال الضحاك : حدّته. وقال قتادة والحسن : نيته. وقال ابن زيد : دينه. وقال مقاتل : خلقه وهذه أقوال متقاربة. وقال الزمخشري : على مذهب الذي يشاكل حاله في الهدى والضلالة من قولهم طريق ذو شواكل وهي الطرق التي تشعبت منه، والدليل عليه قوله فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا أي أشد مذهبا وطريقة.
وعن أبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه : لم أر في القرآن آية أرجى من التي فيها غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ «٣» قدم الغفران قبل قبول التوبة. وعن عثمان رضي اللّه عنه لم أر آية أرجى من نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ «٤». وعن عليّ كرّم اللّه وجهه ورضي عنه لم أر آية أرجى من يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ «٥» الآية.
قالوا ذلك حين تذاكروا القرآن. وعن القرطبي : لم أر آية أرجى من الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ «٦» الآية.
(٢) سورة المعارج : ٧٠/ ١٩.
(٣) سورة غافر : ٤٠/ ٣.
(٤) سورة الحجر : ١٥/ ٤٩.
(٥) سورة الزمر : ٣٩/ ٥٣.
(٦) سورة الأنعام : ٦/ ٨٢.