البحر المحيط، ج ٧، ص : ١١٤
وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً.
الظاهر أن قوله : وَما مَنَعَ النَّاسَ إخبار من اللّه تعالى عن السبب الضعيف الذي منعهم من الإيمان، إذ ظهر لهم المعجز وهو استبعاد أن يبعث اللّه رسولا إلى الخلق واحدا منهم ولم يكن ملكا، وبعد أن ظهر المعجز فيجب الإقرار والاعتراف برسالته فقولهم : لا بد أن يكون من الملائكة تحكم فاسد، ويظهر من كلام ابن عطية أن قوله وَما مَنَعَ النَّاسَ هو من قول الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم قال هذه الآية على معنى التوبيخ والتلهف من النبيّ عليه الصلاة والسلام كأنه يقول متعجبا منهم ما شاء اللّه كان ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا هذه العلة النزرة والاستبعاد الذي لا يسند إلى حجة، وبعثة البشر رسلا غير بدع ولا غريب فيها يقع الإفهام والتمكن من النظر كما لو كان في الأرض ملائكة يسكنونها مطمئنين لكان الرسول إليهم من الملائكة ليقع الإفهام، وأما البشر فلو بعث إليهم ملك لنفرت طبائعهم من رؤيته ولم تحتمله أبصارهم ولا تجلدت له قلوبهم، وإنما اللّه أجرى أحوالهم على معتادها انتهى.
وأَنْ يُؤْمِنُوا في موضع نصب وأَنْ قالُوا : في موضع رفع، وإِذْ ظرف العامل فيه منع والناس كفار قريش القائلون تلك المقالات السابقة والْهُدى هو القرآن ومن جاء به، وليس المراد مجرد القول بل قولهم الناشئ عن اعتقاد والهمزة في أَبَعَثَ للإنكار ورَسُولًا ظاهره أنه نعت، ويجوز أن يكون رَسُولًا مفعول بعث، وبَشَراً حال متقدمة عليه أي أَبَعَثَ اللَّهُ رسولا في حال كونه بَشَراً، وكذلك يجوز في قوله مَلَكاً رَسُولًا أي لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ رَسُولًا في حال كونه مَلَكاً. وقوله يَمْشُونَ يتصرفون فيها بالمشي وليس لهم صعود إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلمون ما يجب علمه، بل هم مقيمون في الأرض يلزمهم ما يلزم المكلفين من عبادات مخصوصة وأحكام لا يدرك تفصيلها بالعقل، لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ من جنسهم من يعلمهم ذلك ويلقيه إليهم.
ولما دعاهم صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الإيمان وتحدى على صدق نبوته بالمعجز الموافق لداعوه، أمره تعالى أن يعلمهم بأنه تعالى هو الشهيد بينه وبينهم على تبليغه وما قام به من أعباء الرسالة وعدم قبولهم وكفرهم، وما اقترحوا عليه من الآيات على سبيل العناد، وأردف ذلك بما فيه


الصفحة التالية
Icon