البحر المحيط، ج ٧، ص : ١٤٦
ذلك أنه تعالى بدأ بقصتهم أولا محنصرة من قوله أَمْ حَسِبْتَ إلى قوله أَمَداً ثم قصها تعالى مطولة مسهبة من قوله نَحْنُ نَقُصُّ - إلى قوله - قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا «١».
وقال ابن عطية : والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم الْفِتْيَةُ أي ظنوا لبثهم قليلا، والحزب الثاني هم أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية، وهذا قول الجمهور من المفسرين انتهى. وقالت فرقة : هما حزبان كافران اختلفا في مدة أهل الكهف. قال السدّي من اليهود والنصارى الذين علموا قريشا السؤال عن أهل الكهف، وعن الخضر وعن الروح وكانوا قد اختلفوا في مدة إقامة أهل الكهف في الكهف. وقال مجاهد : قوم أهل الكهف كان منهم مؤمنون وكافرون واختلفوا في مدة إقامتهم. وقيل : حزبان من المؤمنين في زمن أَصْحابَ الْكَهْفِ اختلفوا في مدة لبثهم قاله الفراء. وقال ابن عباس الملوك الذين تداولوا ملك المدينة حزب وأهل الكهف حزب. وقال ابن بحر : الحزبان اللّه والخلق كقوله أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ «٢» وهذه كلها أقوال مضطربة. وقال ابن قتادة : لم يكن للفريقين علم بلبثهم لا لمؤمن ولا لكافر بدليل قوله اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا «٣». وقال مقاتل : كما بعثوا زال الشك وعرفت حقيقة اللبث.
وأَحْصى جوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون فعلا ماضيا، وما مصدرية وأَمَداً مفعول به، وأن يكون أفعل تفضيل وأَمَداً تمييز. واختار الزجّاج والتبريزي أن يكون أفعل للتفضيل واختار الفارسي والزمخشري وابن عطية أن تكون فعلا ماضيا، ورجحوا هذا بأن أَحْصى إذا كان للمبالغة كان بناء من غير الثلاثي، وعندهم أن ما أعطاه وما أولاه للمعروف وأعدى من الجرب شاذ لا يقاس. ويقول أبو إسحاق : إنه قد كثر من الرباعي فيجوز، وخلط ابن عطية فأورد فيما بني من الرباعي ما أعطاه للمال وآتاه للخير وهي أسود من القار وماؤه أبيض من اللبن. وفهو لما سواها أضيع. قال : وهذه كلها أفعل من الرباعي انتهى. وأسود وأبيض ليس بناؤهما من الرباعي. وفي بناء أفعل للتعجب وللتفضيل ثلاثة مذاهب يبنى منه مطلقا وهو ظاهر كلام سيبويه، وقد جاءت منه ألفاظ ولا يبنى منه مطلقا وما ورد حمل على الشذوذ والتفصيل بين أن تكون الهمزة للنقل. فلا يجوز، أو لغير النقل كأشكل الأمر وأظلم الليل فيجوز أن تقول ما أشكل هذه المسألة، وما أظلم هذا الليل.
وهذا اختيار ابن عصفور من أصحابنا. ودلائل هذه المذاهب مذكورة في كتب النحو، وإذا
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٤٠.
(٣) سورة الكهف : ١٨/ ٢٥.