البحر المحيط، ج ٧، ص : ٢١٣
قال الزمخشري : فإن قلت : قوله فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها مسبب عن خوف الغصب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب فلم قدم عليه؟ قلت : النية به التأخير، وإنما قدم للعناية ولأن خوف الغصب ليس هو السبب وحده، ولكن مع كونها لِمَساكِينَ فكان بمنزلة قولك : زيد ظني مقيم.
وقيل في قراءة أبيّ وعبد اللّه كل سفينة صالحة انتهى. ومعنى أَنْ أَعِيبَها بخرقها.
وقرأ الجمهور وَراءَهُمْ وهو لفظ يطلق على الخلف وعلى الأمام، ومعناه هنا أمامهم.
وكذا قرأ ابن عباس وابن جبير. وكون وَراءَهُمْ بمعنى أمامهم قول قتادة وأبي عبيد وابن السكيت والزجاج، ولا خلاف عند أهل اللغة أن وراء يجوز بمعنى قدام، وجاء في التنزيل والشعر قال تعالى مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ «١» وقال وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ «٢» وقال وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ «٣». وقال لبيد :
أليس ورائي إن تراخت منيتي لزوم العصا يحني عليها الأصابع
وقال سوار بن المضرب السعدي :
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا
وقال آخر :
أليس ورائي أن أدب على العصا فتأمن أعداء وتسأمني أهلي
وقال ابن عطية : وقوله وَراءَهُمْ عندي هو على بابه، وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء يراعى بها الزمن، والذي يأتي بعد هو الوراء وهو ما خلف، وذلك بخلاف ما يظهر بادي الرأي، وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد، فهذه الآية معناها أن هؤلاء وعملهم وسعيهم يأتي بعده في الزمن غصب هذا الملك، ومن قرأ أمامهم أراد في المكان أي إنهم كانوا يسيرون إلى بلده وقوله تعالى في التوراة والإنجيل. إنها بين يدي القرآن، مطرد على ما قلناه في الزمن. وقوله مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ «٤» مطرد كما قلنا من مراعاة الزمن. وقول النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم :«الصلاة أمامك»
يريد في المكان، وإلّا فكونهم في ذلك الوقت كان أمام الصلاة في الزمن. وتأمل هذه المقالة فإنها مريحة من شغب هذه الألفاظ ووقع لقتادة في كتب الطبري وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ. قال قتادة : أمامهم ألا ترى أنه يقول

(١) سورة إبراهيم : ١٤/ ١٦.
(٢) سورة إبراهيم : ١٤/ ١٧.
(٣) سورة المؤمنون : ٢٣/ ١٠٠.
(٤) سورة الجاثية : ٤٥/ ١٠.


الصفحة التالية
Icon