البحر المحيط، ج ٧، ص : ٢٤٨
عيسى عليه السلام. وقيل : قعدت في مشرقة للاغتسال من الحيض محتجبة بحائط أي شيء يسترها، وكان موضعها المسجد فبينا هي في مغتسلها أتاها الملك في صورة آدمي شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر سوي الخلق لم ينتقص من الصورة الآدمية شيئا أو حسن الصورة مستوي الخلق. وقال قتادة شَرْقِيًّا
شاسعا بعيدا انتهى.
والحجاب الذي اتخذته لتستتر به عن الناس لعبادة ربها. قال السدّي : كان من جدران. وقيل : من ثياب. وعن ابن عباس : جعلت الجبل بينها وبين الناس حِجاباً
وظاهر الإرسال من اللّه إليها ومحاورة الملك تدل على أنها نبية. وقيل : لم تنبأ وإنما كلمها مثال بشر ورؤيتها للملك كما رئي جبريل عليه السلام في صفة دحية. وفي سؤاله عن الإيمان والإسلام. والظاهر أن الروح جبريل لأن الدين يحيا به ويوحيه أو سماه روحه على المجاز محبة له وتقريبا كما تقول لحبيبك : أنت روحي. وقيل عيسى كما قال وروح منه، وعلى هذا يكون قوله فَتَمَثَّلَ
أي الملك. وقرأ أبو حيوة وسهل رُوحَنا
بفتح الراء لأنه سبب لما فيه روح العباد وإصابة الروح عند اللّه الذي هو عدة المقرّبين في قوله فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ «١» أو لأنه من المقربين وهم الموعودون بالروح أي مقربنا وذا روحنا. وذكر النقاش أنه قرىء رُوحَنا
بتشديد النون اسم ملك من الملائكة وانتصب بَشَراً سَوِيًّا
على الحال لقوله وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا. قيل : وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه، ولو بدا لها في الصورة الملكية لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه، ودل على عفافها وورعها أنها تعوذت به من تلك الصورة الجميلة الفائقة الحسن وكان تمثيله على تلك الصفة ابتلاء لها وسبرا لعفتها.
وقيل : كانت في منزل زوج أختها زكريا ولها محراب على حدة تسكنه، وكان زكريا إذا خرج أغلق عليها فتمنت أن تجد خلوة في الجبل لتفلي رأسها فانفرج السقف لها فخرجت فجلست في المشرقة وراء الجبل فأتاها الملك. وقيل : قام بين يديها في صورة ترب لها اسمه يوسف من خدم بيت المقدس
، وتعليقها الاستعاذة على شرط تقواه لأنه لا تنفع الاستعاذة ولا تجدي إلّا عند من يتقي اللّه أي إن كان يرجى منك أن تتقي اللّه وتخشاه وتحفل الاستعاذة به فإني عائذة به منك. وجواب الشرط محذوف أي فإني أعوذ.
وقال الزجاج : فستتعظ بتعويذي باللّه منك. وقيل : فاخرج عني. وقيل : فلا تتعرض لي وقول من قال تقي اسم رجل صالح أو رجل فاسد ليس بسديد. وقيل : إِنْ
نافية أي ما

(١) سورة الواقعة : ٥٦/ ٨٩.


الصفحة التالية
Icon