البحر المحيط، ج ٧، ص : ٢٥٨
أشارت إليه لما تقدم لها من وعده أنه يجيبهم عنها ويغنيها عن الكلام. وقيل : بوحي من اللّه إليها. وكانَ قال أبو عبيدة : زائدة. وقيل : تامّة وينتصب صَبِيًّا على الحال في هذين القولين، والظاهر أنها ناقصة فتكون بمعنى صار أو تبقى على مدلولها من اقتران مضمون الجملة بالزمان الماضي، ولا يدل ذلك على الانقطاع كما لم يدل في قوله وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «١» وفي قوله وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً «٢» والمعنى كانَ وهو الآن على ما كان، ولذلك عبر بعض أصحابنا عن كانَ هذه بأنها ترادف لم يزل وما ردّ به ابن الأنباري كونها زائدة من أن الزائدة لا خبر لها، وهذه نصبت صَبِيًّا خبرا لها ليس بشيء لأنه إذ ذاك ينتصب على الحال، والعامل فيها الاستقرار.
وقال الزمخشري : كان لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده وهو هاهنا لقريبه خاصة والدال عليه معنى الكلام وأنه مسوق للتعجب، ووجه آخر أن يكون نُكَلِّمُ حكاية حال ماضية أي كيف عهد قبل عيسى أن يكلم الناس صَبِيًّا.
فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فيما سلف من الزمان حتى نكلم هذا انتهى. والظاهر أن مَنْ مفعول بنكلم. ونقل عن الفراء والزجّاج أن مَنْ شرطية وكانَ في معنى يكن وجواب الشرط محذوف تقديره فكيف نُكَلِّمُ وهو قول بعيد جدا. وعن قتادة أن الْمَهْدِ حجر أمه. وقيل : سريره. وقيل : المكان الذي يستقر عليه. وروي أنه قام متكئا على يساره وأشار إليهم بسبابته اليمنى
، وأنطقه اللّه تعالى أولا بقوله إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ ردّا للوهم الذي ذهبت إليه النصارى.
وفي قوله عَبْدُ اللَّهِ والجمل التي بعده تنبيه على براءة أمّه مما اتهمت به لأنه تعالى لا يخص بولد موصوف بالنبوة والخلال الحميدة إلّا مبرأة مصطفاة والْكِتابَ الإنجيل أو التوراة أو مجموعهما أقوال. وظاهر قوله وَجَعَلَنِي نَبِيًّا أنه تعالى نبأه حال طفوليته أكمل اللّه عقله واستنبأه طفلا. وقيل : إن ذلك سبق في قضائه وسابق حكمه، ويحتمل أن يجعل الآتي لتحققه كأنه قد وجد وَجَعَلَنِي مُبارَكاً قال مجاهد : نفاعا. وقال سفيان : معلم خير. وقيل : آمرا بمعروف، ناهيا عن منكر. وعن الضحاك : قضاء للحوائج وأَيْنَ ما كُنْتُ شرط وجزاؤه محذوف تقديره جَعَلَنِي مُبارَكاً وحذف لدلالة ما تقدم عليه، ولا يجوز أن يكون معمولا لجعلني السابق لأن أَيْنَ لا يكون إلّا استفهاما أو شرطا لا جائز

(١) سورة النساء : ٤/ ٩٦.
(٢) سورة الإسراء : ١٧/ ٣٢.


الصفحة التالية
Icon