البحر المحيط، ج ٧، ص : ٢٦٢
وحكى أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء أن يكون المعنى، وقضى إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فهي معطوفة على قوله أَمْراً من قوله إِذا قَضى أَمْراً والمعنى إِذا قَضى أَمْراً وقضى إِنَّ اللَّهَ انتهى. وهذا تخبيط في الإعراب لأنه إذا كان معطوفا على أَمْراً كان في حيز الشرط، وكونه تعالى ربنا لا يتقيد بالشرط وهذا يبعد أن يكون قاله أبو عمرو بن العلاء فإنه من الجلالة في علم النحو بالمكان الذي قل أن يوازنه أحد مع كونه عربيا، ولعل ذلك من فهم أبي عبيدة فإنه يضعف في النحو والخطاب في قول وَرَبُّكُمْ قيل لمعاصري رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من اليهود والنصارى أمر اللّه تعالى أن يقول لهم ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ أي قل لهم يا محمد هذا الكلام. وقيل : الخطاب للذين خاطبهم عيسى بقوله إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ «١» الآية وإن اللّه معطوف على الكتاب، وقد قال وهب عهد عيسى إليهم إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ومن كسر الهمزة عطف على قوله إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ فيكون محكيا.
يقال : وعلى هذا القول يكون قوله ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - إلى - وَإِنَّ اللَّهَ حمل اعتراض أخبر اللّه تعالى بها رسوله عليه السلام.
والإشارة بقوله هذا أي القول بالتوحيد ونفي الولد والصاحبة، هو الطريق المستقيم الذي يفضي بقائله ومعتقده إلى النجاة فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ هذا إخبار من اللّه للرسول بتفرق بني إسرائيل فرقا، ومعنى مِنْ بَيْنِهِمْ أن الاختلاف لم يخرج عنهم بل كانوا هم المختلفين لم يقع الاختلاف سببه غيرهم. والْأَحْزابُ قال الكلبي : اليهود والنصارى. وقال الحسن : الذين تحزبوا على الأنبياء لما قص عليهم قصة عيسى اختلفوا فيه من بين الناس انتهى. فالضمير في بَيْنِهِمْ على هذا ليس عائدا على الْأَحْزابُ.
وقيل : الْأَحْزابُ هنا المسلمون واليهود والنصارى. وقيل : هم النصارى فقط.
وعن قتادة إن بني إسرائيل جمعوا أربعة من أحبارهم. فقال أحدهم : عيسى هو اللّه نزل إلى الأرض وأحيا من أحيا وأمات من أمات، فكذبه الثلاثة واتبعته اليعقوبية. ثم قال أحد الثلاثة : عيسى ابن اللّه فكذبه الاثنان واتبعته النسطورية، وقال أحد الاثنين : عيسى أحد ثلاثة اللّه إله، ومريم إله، وعيسى إله فكذبه الرابع وأتبعته الإسرائيلية. وقال الرابع :
عيسى عبد اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فاتبعته فرقة من بني إسرائيل ثم اقتتل الأربعة، فغلب المؤمنون وظهرت اليعقوبية على الجميع فروي أن في ذلك نزلت إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ «٢» آية آل عمران، والأربعة يعقوب ونسطور وملكا وإسرائيل.
(٢) سورة آل عمران : ٣/ ٢١.