البحر المحيط، ج ٧، ص : ٢٧٩
وقال الزمخشري : عَدْنٍ معرفة علم لمعنى العدن وهو الإقامة، كما جعلوا فينة وسحر وأمس في من لم يصرفه أعلاما لمعاني الفينة والسحر والأمس، فجرى العدن كذلك. أو هو علم الأرض الجنة لكونه مكان إقامة، ولو لا ذلك لما ساغ الإبدال لأن النكرة لا تبدل من المعرفة إلّا موصوفة، ولما ساغ وصفها بالتي انتهى.
وما ذكره متعقب. أما دعواه أن عدنا علم لمعنى العدن فيحتاج إلى توقيف وسماع من العرب، وكذا دعوى العلمية الشخصية فيه. وأما قوله ولو لا ذلك إلى قوله موصوفة فليس مذهب البصريين لأن مذهبهم جواز إبدال النكرة من المعرفة وإن لم تكن موصوفة، وإنما ذلك شيء قاله البغداديون وهم محجوجون بالسماع علم ما بيناه في كتبنا في النحو، فملازمته فاسدة. وأما قوله : ولما ساغ وصفها بالتي فلا يتعين كون التي صفة، وقد ذكرنا أنه يجوز إعرابه بدلا وبِالْغَيْبِ حال أي وعدها وهي غائبة عنهم أو وهم غائبون عنها لا يشاهدونها، ويحتمل أن تكون الباء للسبب أي بتصديق الغيب والإيمان به. وقال أبو مسلم : المراد الذين يكونون عبادا بالغيب أي الذين يعبدونه في السر، والظاهر أن وَعْدُهُ مصدر. فقيل : مَأْتِيًّا بمعنى آتيا. وقيل : هو على موضوعه من أنه اسم المفعول. وقال الزمخشري : مَأْتِيًّا مفعول بمعنى فاعل، والوجه أن الوعد هو الجنة وهم يأتونها، أو هو من قولك أتى إليه إحسانا أي كان وعده مفعولا منجزا، والقول الثاني وهو قوله : والوجه مأخوذ من قول ابن جريج قال : وَعْدُهُ هنا موعوده وهو الجنة، ومَأْتِيًّا يأتيه أولياؤه انتهى.
إِلَّا سَلاماً استثناء منقطع وهو قول الملائكة سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ «١».
وقيل : يسلم اللّه عليهم عند دخولها. ومعنى بُكْرَةً وَعَشِيًّا يأتيهم طعامهم مرتين في مقدار اليوم والليلة من الزمن. وقال مجاهد : لا بكرة ولا عشي ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا. وقد ذكر نحوه قتادة أن تكون مخاطبة بما تعرف العرب في رفاهة العيش. وقال الحسن : خوطبوا على ما كانت العرب تعلم من أفضل العيش، وذلك أن كثيرا من العرب إنما كان يجد الطعام المرة في اليوم، وكان عيش أكثرهم من شجر البرية ومن الحيوان. وقال الزمخشري : اللغو فضول الكلام وما لا طائل تحته، وفيه تنبيه ظاهر على وجوب تجنب اللغو واتقائه حيث نزه اللّه عنه الدار التي لا تكليف فيها. وما أحسن قوله