البحر المحيط، ج ٧، ص : ٣٣٠
لا على جهة النبوّة كما بعث إلى مريم وهذا هو الظاهر لظاهر قوله يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ولظاهر آية القصص إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ «١» ويبعد ما صدر به الزمخشري قوله : من يرد يده إما أن يكون على لسان نبي في وقتها كقوله وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ «٢» لأنه لم ينقل أنه كان في زمن فرعون، وكان في زمن الحواريين زكريا ويحيى. وفي قوله ما يُوحى إبهام وإجمال كقوله إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى «٣» فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ «٤» وفيه تهويل وقد فسر هنا بقوله أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ.
قال الزمخشري : وأَنِ هي المفسرة لأن الوحي بمعنى القول. وقال ابن عطية :
وأَنِ في قوله أَنِ اقْذِفِيهِ بدل من ما يعني أنّ أن مصدرية فلذلك كان لها موضع من الإعراب. والوجهان سائغان والظاهر أن التَّابُوتِ كان من خشب. وقيل : من بردى شجر مؤمن آل فرعون سدت خروقه وفرشت فيه نطعا. وقيل : قطنا محلوجا وسدت فمه وجصصته وقيرته وألقته في الْيَمِّ وهو اسم للبحر العذب. وقيل : اسم للنيل خاصة والأول هو الصواب كقوله فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ «٥» ولم يغرقوا في النيل.
والظاهر أن الضمير في فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ عائد على موسى، وكذلك الضميران بعده إذ هو المحدث عنه لا التَّابُوتِ إنما ذكر التَّابُوتِ على سبيل الوعاء والفضلة.
وقال ابن عطية : والضمير الأول في اقْذِفِيهِ عائد على موسى وفي الثاني عائد على التَّابُوتِ ويجوز أن يعود على موسى. وقال الزمخشري : والضمائر كلها راجعة إلى موسى ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت فيه هجنة لما يؤدي إليه من تنافر النظم فإن قلت : المقذوف في البحر هو التابوت وكذلك الملقى إلى الساحل قلت : ما ضرك لو قلت المقذوف والملقى هو موسى في جوف التابوت حتى لا تتفرق الضمائر فيتنافر عليك النظم الذي هو أم إعجاز القرآن، والقانون الذي وقع عليه التحدي ومراعاته أهم ما يجب على المفسر انتهى.
ولقائل أن يقول أن الضمير إذا كان صالحا لأن يعود على الأقرب وعلى الأبعد كان عوده على الأقرب راجحا، وقد نص النحويون على هذا فعوده على التَّابُوتِ في قوله فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ راجح، والجواب أنه إذا كان أحدهما هو المحدث عنه

(١) سورة القصص : ٢٨/ ٧.
(٢) سورة المائدة : ٥/ ١١١. [.....]
(٣) سورة النجم : ٥٣/ ١٦.
(٤) سورة طه : ٢٠/ ٧٨.
(٥) سورة الأعراف : ٧/ ١٣٦.


الصفحة التالية
Icon