البحر المحيط، ج ٧، ص : ٣٨٥
قراءة أبيّ فلا ينطقون إِلَّا هَمْساً وعن أبي عبيدة الصوت الخفي يومئذ بدل من يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ أو يكون التقدير يوم إذ يَتَّبِعُونَ ويكون منصوبا بلا تنفع ومَنْ مفعول بقوله لا تَنْفَعُ. ولَهُ معناه لأجله وكذا في ورضي له أي لأجله، ويكون من للمشفوع له أو بدل من الشفاعة على حذف مضاف أي إلّا شفاعة من أذن له أو منصوب على الاستثناء على هذا التقدير، أو استثناء منقطع فنصب على لغة الحجاز، ورفع على لغة تميم، ويكون مَنْ في هذه الأوجه للشافع والقول المرضي عن ابن عباس لا إله إلا اللّه.
والظاهر أن الضمير في أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ عائد على الخلق المحشورين وهم متبعو الداعي. وقيل : يعود على الملائكة. وقيل : على الناس لا بقيد الحشر والاتباع، وتقدم تفسير هذه الجملة في آية الكرسي في البقرة، والضمير في بِهِ عائد على ما أي وَلا يُحِيطُونَ بمعلوماته عِلْماً والظاهر عموم الْوُجُوهُ أي وجوه الخلائق، وخص الْوُجُوهُ لأن آثار الذل إنما تظهر في أول الْوُجُوهُ. وقال طلق بن حبيب :
المراد سجود الناس على الوجوه والآراب السبعة، فإن كان روى أن هذا يكون يوم القيامة فتكون الآية إخبارا عنه، واستقام المعنى وإن كان أراد في الدنيا فليس ذلك بملائم للآيات التي قبلها وبعدها. وقال الزمخشري : المراد بالوجود وجوه العصاة وأنهم إذا عاينوا يوم القيامة الخيبة والشقوة وسوء الحساب صارت وجوههم عانية أي ذليلة خاضعة مثل وجوه العناة وهم الأسارى ونحوه فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا «١» وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ «٢» والْقَيُّومِ تقدم الكلام عليه في البقرة.
وَقَدْ خابَ أي لم ينجح ولا ظفر بمطلوبه، والظلم يعم الشرك والمعاصي وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم، فخيبة المشرك دائما وخيبة المؤمن العاصي مقيدة بوقت في العقوبة إن عوقب. ولما خص الزمخشري الوجوه بوجوه العصاة قال في قوله وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً أنه اعتراض كقولك : خابوا وخسروا حتى تكون الجملة دخلت بين العصاة وبين من يعمل من الصالحات، فهذا عنده قسيم وَعَنَتِ الْوُجُوهُ. وأما ابن عطية فجعل قوله وَمَنْ يَعْمَلْ - إلى - هَضْماً معادلا لقوله وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً لأنه جعل وَعَنَتِ الْوُجُوهُ عامة في وجوه الخلائق. ومِنَ الصَّالِحاتِ بيسير في الشرع لأن مَنْ للتبعيض والظلم مجاوزة الحد في عظم سيئاته، والهضم نقص من حسناته قاله ابن عباس. وقال قتادة : الظلم أن يزاد من ذنب غيره. وقال ابن زيد : الظلم أن لا يجزى

(١) سورة الملك : ٦٧/ ٢٧.
(٢) سورة القيامة : ٧٥/ ٢٤.


الصفحة التالية
Icon