البحر المحيط، ج ٧، ص : ٣٩٢
ومعنى عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ
أي الشجرة التي من أكل منها خلد وحصل له ملك لا يخلق، وهذا يدل لقراءة الحسن بن عليّ
وابن عباس إلا أن تكونا ملكين بكسر اللام فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ تقدم الكلام على نحو هذه الآية في الأعراف وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى قال الزمخشري عن ابن عباس : لا شبهة في أن آدم صلوات اللّه عليه لم يمتثل ما رسم اللّه له وتخطى فيه ساحة الطاعة، وذلك هو العصيان. ولما عصى خرج فعله من أن يكون رشدا وخيرا فكان غيا لا محالة لأن الغيّ خلاف الرشد. ولكن قوله عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى بهذا الإطلاق وهذا التصريح، وحيث لم يقل وزل آدم وأخطأ وما أشبه ذلك مما يعبر به عن الزلات والفرطات فيه لطف بالمكلفين ومزجرة بليغة وموعظة كافة، وكأنه قيل لهم : انظروا واعتبروا كيف نعتب على النبيّ المعصوم حبيب اللّه الذي لا يجوز عليه اقتراف الصغيرة غير المنفرة زلته بهذه الغلظة وبهذا اللفظ الشنيع، فلا تتهاونوا بما يفرط منكم من السيئات والصغائر فضلا عن أن تجسروا عن التورط في الكبائر، وعن بعضهم فَغَوى فسئم من كثرة الأكل، وهذا وإن صح على لغة من يقلب الياء المسكور ما قبلها ألفا فيقول في فنى وبقي فنا وبقا، وهم بنو طيىء تفسير خبيث انتهى.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي : لا يجوز لأحدنا اليوم أن يخبر بذلك عنه عليه السلام إلّا إذا ذكرناه في أثناء قوله تعالى أو قول نبيه عليه السلام، فإما أن يبتدىء ذلك من قبل نفسه فليس بجائز لنا في آبائنا الأولين إلينا المماثلين لنا، فكيف ففي أبينا الأقدم الأعظم الأكرم النبيّ المقدم الذي اجتباه اللّه وتاب عليه وغفر له. قال القرطبي : وإذا كان هذا في المخلوق لا يجوز والإخبار عن صفات اللّه كاليد والرجل والأصبع والجنب والنزول إلى غير ذلك أولى بالمنع، وأنه لا يجوز الابتداء بشيء من ذلك إلّا في أثناء قراءة كتابه أو سنة رسوله عليه السلام، ولهذا قال الإمام مالك بن أنس : من وصف شيئا من ذات اللّه مثل قوله تعالى وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ «١» فأشار بيده إلى عنقه قطعت يده وكذلك في السمع والبصر يقطع ذلك منه لأنه شبه اللّه سبحانه بنفسه.
ثُمَّ اجْتَباهُ أي اصطفاه وقربه وتاب عليه أي قبل توبته وَهَدى أي هداه للنبوة أو إلى كيفية التوبة، أو هداه رشده حتى رجع إلى الندم. والضمير في اهْبِطا ضمير تثنية وهو أمر لآدم وحواء جعل هبوطهما عقوبتهما وجَمِيعاً حال منهما. وقال ابن عطية : ثم