البحر المحيط، ج ٧، ص : ٤٠٩
تُبْصِرُونَ أنه سحر وأن من أتى به هو بَشَرٌ مِثْلُكُمْ فكيف تقبلون ما أتى به وهو سحر، وكانوا يعتقدون أن الرسول من عند اللّه لا يكون إلا ملكا وأن كل من ادعى الرسالة من البشر وجاء بمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر، وهاتان الجملتان الاستفهاميتان الظاهر أنهما متعلقتان بقوله : وَأَسَرُّوا النَّجْوَى وأنهما محكيتان بقوله للنجوى لأنه بمعنى القول الخفي، فهما في موضع نصب على المفعول بالنجوى.
وقال الزمخشري : في محل النصب بدلا من النَّجْوَى أي وَأَسَرُّوا هذا الحديث ويجوز أن يتعلق بقالوا مضمرا انتهى.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وأيوب وخلف وابن سعدان وابن جبير الأنطاكي وابن جرير قالَ رَبِّي على معنى الخبر عن نبيه عليه الصلاة والسلام. وقرأ باقي السبعة قل على الأمر لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم يَعْلَمُ أقوالكم هذه، وهو يجازيكم عليها والْقَوْلَ عام يشمل السر والجهر، فكان في الإخبار بعلمه القول علم السر وزيادة، وكان آكد في الاطلاع على نجواهم من أن يقول يعلم سرهم. ثم بين ذلك بقوله وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ السَّمِيعُ لأقوالكم الْعَلِيمُ بما انطوت عليه ضمائركم.
ولما ذكر تعالى عنهم أنهم قالوا إن ما أتى به سحر ذكر اضطرابهم في مقالاتهم فذكر أنهم أضربوا عن نسبة السحر إليه وقالُوا ما يأتي به إنما هو أَضْغاثُ أَحْلامٍ وتقدم تفسيرها في سورة يوسف عليه السلام، ثم أضربوا عن هذا فقالوا بَلِ افْتَراهُ أي اختلقه وليس من عند اللّه، ثم أضربوا عن هذا فقالوا بَلْ هُوَ شاعِرٌ وهكذا المبطل لا يثبت على قول بل يبقى متحيرا، وهذه الأقوال الظاهر أنها صدرت من قائلين متفقين انتقلوا من قول إلى قول أو مختلفين قال كل منهم مقالة. قال الزمخشري : ويجوز أن يكون تنزيلا من اللّه لأقوالهم في درج الفساد، وأن قولهم الثاني أفسد من الأول، والثالث أفسد من الثاني وكذلك الرابع من الثالث انتهى. وقال ابن عطية ثم حكى قول من قال إنه شاعر وهي مقالة فرقة عامّية لأن بنات الشعر من العرب لم يخف عليهم بالبديهة، وإن مباني القرآن ليست مباني شعر. وقال أبو عبد اللّه الرازي : حكى اللّه عنهم هذه الأقوال الخمسة وترتيب كلامهم أن كونه بشرا مانع من كونه رسولا للّه سلمنا أنه غير مانع، ولكن لا نسلم أن هذا القرآن ثم إما أن يساعد على أن فصاحة القرآن خارجة عن مقدار البشر قلنا لم لا يجوز أن يكون ذلك سحرا وإن لم يساعد عليه فإن ادعينا كونه في نهاية الركاكة قلنا إنه أضغاث أحلام، وإن


الصفحة التالية
Icon