البحر المحيط، ج ٧، ص : ٤٢
وقال آخر
إن لم يكن ورق يوما أجود به للسائلين فإني لين العود
لا يعدم السائلون الخير من خلقي إما نوالي وإما حسن مردودي
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ الآية.
قيل : نزلت في إعطائه صلّى اللّه عليه وسلّم قميصه ولم يكن له غيره وبقي عريانا.
وقيل : أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وعيينة مثل ذلك، والعباس بن مرداس خمسين ثم كملها مائة فنزلت،
وهذه استعارة استعير فيها المحسوس للمعقول، وذلك أن البخل معنى قائم بالإنسان يمنعه من التصرف في ماله فاستعير له الغل الذي هو ضم اليد إلى العنق فامتنع من تصرف يده وإجالتها حيث تريد، وذكر اليد لأن بها الأخذ والإعطاء، واستعير بسط اليد لإذهاب المال وذلك أن قبض اليد يحبس ما فيها، وبسطها يذهب ما فيها، وطابق في الاستعارة بين بسط اليد وقبضها من حيث المعنى لأن جعل اليد مغلولة هو قبضها، وغلها أبلغ في القبض وقد طابق بينهما أبو تمام. فقال في المعتصم :
تعوّد بسط الكف حتى لوانّه ثناها لقبض لم تجبه أنامله
وقال الزمخشري : هذا تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف، أمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والإقتار انتهى. والظاهر أنه مراد بالخطاب أمة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وإلّا فهو صلّى اللّه عليه وسلّم كان لا يدّخر شيئا لغد، وكذلك من كان واثقا باللّه حق الوثوق كأبي بكر حين تصدّق بجميع ماله. وقال ابن جريج وغيره : المعنى لا تمسك عن النفقة فيما أمرتك به من الحق وَلا تَبْسُطْها فيما نهيتك عنه وروي عن قالون : كل البصط بالصاد فتقعد جواب للهيئتين باعتبار الحالين، فالملوم راجع لقوله : وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ. كما قال الشاعر :
إن البخيل ملوم حيث كان ولكن الجواد على علّانه هرم
والمحسور راجع لنوله وَلا تَبْسُطْها وكأنه قيل فتلام وتحسر، ثم سلاه تعالى عما كان يلحقه من الإضافة بأن ذلك ليس بهوان منك عليه ولا لبخل به عليك، ولكن لأن بسط الرزق وتضييقه إنما ذلك بمشيئته وإرادته لما يعلم في ذلك من المصلحة لعباده، أو يكون المعنى القبض والبسط من مشيئة اللّه، وأما أنتم فعليكم الاقتصاد وختم ذلك بقوله خَبِيراً وهو العلم بخفيات الأمور بَصِيراً أي بمصالح عباده حيث يبسط لقوم ويضيق على قوم.