البحر المحيط، ج ٧، ص : ٤٨٠
فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ
هذه السورة مكية إلا هذانِ خَصْمانِ «١» إلى تمام ثلاث آيات قاله ابن عباس ومجاهد، وعن ابن عباس أيضا إنهن أربع آيات إلى قوله عَذابَ الْحَرِيقِ «٢» وقال الضحاك : هي مدنية. وقال قتادة : إلّا من قوله وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ - إلى - عَذابٌ مُهِينٌ «٣». وقال الجمهور : منها مكي ومنها مدني.
ومناسبة أول هذه السورة لما قبلها أنه ذكر تعالى حال الأشقياء والسعداء وذكر الفزع الأكبر وهو ما يقول يوم القيامة، وكان مشركو مكة قد أنكروا المعاد وكذبوه بسبب تأخر العذاب عنهم. نزلت هذه السورة تحذيرا لهم وتخويفا لما انطوت عليه من ذكر زلزلة الساعة وشدّة هولها، وذكر ما أعد لمنكرها وتنبيههم على البعث بتطويرهم في خلقهم، وبهمود الأرض واهتزازها بعد بالنبات، والظاهر أن قوله يا أَيُّهَا النَّاسُ عام. وقيل :
المراد أهل مكة، ونبه تعالى على سبب اتقائه وهو ما يؤول إليه من أهوال الساعة وهو على حذف مضاف أي اتَّقُوا عذاب رَبَّكُمْ، والزلزلة الحركة المزعجة وهي عند النفخة الأولى. وقيل : عند الثانية. وقيل : عند قول اللّه يا آدم ابعث بعث النار. وقال الجمهور :
في الدنيا آخر الزمان ويتبعها طلوع الشمس من مغربها. وعن الحسن : يوم القيامة. وعن علقمة والشعبي : عند طلوح الشمس من مغربها، وأضيفت إلى الساعة لأنها من أشراطها، والمصدر مضاف للفاعل فالمفعول المحذوف وهو الأرض يدل عليه إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها «٤» والناس ونسبة الزلزلة إلى السَّاعَةِ مجاز، ويجوز أن يضاف إلى المفعول به على طريقة الاتساع في الظرف، فتكون السَّاعَةِ مفعولا بها وعلى هذه التقادير يكون ثم زَلْزَلَةَ حقيقة.
وقال الحسن : أشد الزلزال ما يكون مع قيام الساعة. وقيل : الزلزلة استعارة، والمراد
(٢) سورة الحج : ٢٢/ ٢٢. [.....]
(٣) سورة الحج : ٢٢/ ٥٢.
(٤) سورة الزلزلة : ٩٩/ ١.