البحر المحيط، ج ٧، ص : ٤٨٨
بضع عشرة آية. وقال ابن عطية : وكرر هذه على وجه التوبيخ، فكأنه يقول : هذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان وَمِنَ النَّاسِ مع ذلك مَنْ يُجادِلُ فكان الواو واو الحال، والآية المتقدمة الواو فيها واو العطف عطفت جملة الكلام على ما قبلها، والآية على معنى الإخبار وهي هاهنا مكررة للتوبيخ انتهى. ولا يتخيل أن الواو في وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ واو حال، وعلى تقدير الجملة التي قدّرها قبله لو كان مصرحا بها لم يتقدّر بإذ فلا تكون للحال، وإنما هي للعطف قسم المخذولين إلى مجادل فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ متبع لشيطان مريد، ومجادل بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ إلى آخره، وعابد ربه على حرف والمراد بالعلم العلم الضروري، وبالهدى الاستدلال والنظر لأنه يهدي إلى المعرفة، وبالكتاب المنير الوحي أي يُجادِلُ بغير واحد من هذه الثلاثة.
وانتصب ثانِيَ عِطْفِهِ على الحال من الضمير المستكن في يُجادِلُ قال ابن عباس : متكبرا، ومجاهد : لاويا عنقه بقبح، والضحاك : شامخا بأنفه وابن جريج : مجاهد وأهل مكة وأبو عمرو في رواية لِيُضِلَّ بفتح الياء أي لِيُضِلَّ في نفسه والجمهور بضمها أي لِيُضِلَّ غيره، وهو يترتب على إضلاله كثرة العذاب، إذ عليه وزر من عمل به. ولما كان مآل جداله إلى الإضلال كان كأنه علة له، وكذلك لما كان معرضا عن الهدى مقبلا على الجدال بالباطل كان كالخارج من الهدى إلى الضلال.
والخزي في الدنيا ما لحقه يوم بدر من الأسر والقتل والهزيمة، وقد أسر النضر.
وقيل : يوم بدر بالصفراء. والْحَرِيقِ قيل طبقة من طباق جهنم، وقد يكون من إضافة الموصوف إلى صفته أي العذاب الحريق أي المحرق كالسميع بمعنى المسمع.
وقرأ زيد بن عليّ فأذيقه بهمزة المتكلم ذلك إشارة إلى الخزي والإذاقة، وجوزوا في إعراب ذلك هذا ما جوزوا في إعراب ذلك بأن اللّه هو الحق. وتقدم المراد في بِما قَدَّمَتْ يَداكَ أي باجترامك وبعدل اللّه فيك إذ عصيته، ويحتمل أن يكون وأن اللّه مقتطعا ليس ذلك في السبب والتقدير والأمر أن اللّه. قال ابن عطية : والعبيد هنا ذكروا في معنى مسكنتهم وقلة قدرتهم، فلذلك جاءت هذه الصيغة انتهى. وهو يفرق بين العبيد والعباد وقد رددنا عليه تفرقته في أواخر آل عمران في قوله وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «١» وشرحنا هناك قوله بِظَلَّامٍ.