البحر المحيط، ج ٧، ص : ٤٩٢
بذكر حال مخالفيهم من أهل الإيمان وما وعدهم به من الوعد الحسن، ثم أخذ في توبيخ أولئك الأولين كأنه يقول هؤلاء العابدون على حرف صحبهم القلق وظنوا أن اللّه لن ينصر محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم وأتباعه، ونحن إنما أمرناهم بالصبر وانتظار وعدنا، فمن ظن غير ذلك فليمدد بسبب ويختلق وينظر هل يذهب بذلك غيظه، قال هذا المعنى قتادة، وهذا على جهة المثل السائر قولهم : دونك الحبل فاختنق، يقال ذلك للذي يريد من الأمر ما لا يمكنه، فعلى هذا تكون الهاء في يَنْصُرَهُ للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وهو قول ابن عباس والكلبي ومقاتل والضحاك وقتادة وابن زيد والسدّي، واختاره الفراء والزجاج فالمعنى إن لن ينصر اللّه محمدا في الدنيا بإعلاء كلمته وإظهار دينه، وفي الآخرة بإعلاء درجته والانتقام ممن كذبه، والرسول وإن لم يجر له ذكر في الآية ففيها ما يدل عليه وهو ذكر الإيمان في قوله إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وظانّ ذلك قوم من المسلمين لشدة غيظهم على المشركين، يستبطئون ما وعد اللّه رسوله من النصر أو أعراب استبطؤوا ظهور الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم فتباطؤوا عن الإسلام.
والظاهر أن الضمير في يَنْصُرَهُ عائد على مَنْ لأنه المذكور، وحق الضمير أن يعود على المذكور وهو قول مجاهد. وحمل بعض قائلي هذا القول النصر هنا على الرزق كما قالوا : أرض منصورة أي ممطورة. وقال الشاعر :
وإنك لا تعطي امرأ فوق حقه ولا تملك الشق الذي أنت ناصره
أي معطيه. وقال : وقف علينا سائل من بني بكر فقال : من ينصرني نصره اللّه، فالمعنى من كان يظن أن لن يرزقه اللّه فيعدل عن دين محمد لهذا الظن كما وصف في قوله وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق، فإن ذلك لا يبلغه إلّا ما قدر له ولا يجعله مرزوقا أكثر مما قسم له، ويحتمل على هذا القول أن يكون النصر على بابه أي من كان يظن أن لن ينصره اللّه في الدنيا والآخرة فيغتاظ لانتفاء نصره فليمدد، ويدل على قوله فيغتاظ قوله هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ ويكون معنى قوله فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فليتحيل بأعظم الحيل في نصرة اللّه إياه ثم ليقطع الحبل فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ وتحيله في إيصال النصر إليه الشيء الذي يغيظه من انتفاء نصره بتسلط أعدائه عليه.
وقال الزمخشري : هذا كلام دخله اختصار والمعنى : أن اللّه ناصر رسوله في الدنيا والآخرة، فمن كان يظن من حاسديه وأعاديه أن اللّه يفعل خلاف ذلك ويطمع فيه ويغيظه أنه لا يظفر بمطلوبه فليستقص وسعه وليستفرغ مجهوده في إزالة ما يغيظه بأن يفعل ما يفعل