البحر المحيط، ج ٧، ص : ٥٢٩
أنفه، فنزلت مسوّية بينهم في أن اللّه يرزقهم رِزْقاً حَسَناً وظاهر وَالَّذِينَ هاجَرُوا العموم. وقال مجاهد : نزلت في طوائف خرجوا من مكة إلى المدينة للهجرة فتبعهم المشركون وقاتلوهم. وروي أن طوائف من الصحابة قالوا : يا نبيّ اللّه هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم اللّه من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا، فما لنا إن متنا معك؟ فأنزل اللّه هاتين الآيتين.
وقال الزمخشري : لما جمعتهم المهاجرة في سبيل اللّه سوّى بينهم في الموعد أن يعطى من مات منهم مثل ما يعطى من قتل فضلا منه وإحسانا واللّه عليم بدرجات العاملين ومراتب استحقاقهم، حليم عن تفريط المفرط منهم بفضله وكرمه انتهى. وفي قوله :
ومراتب استحقاقهم دسيسة الاعتزال، والتسوية في الوعد بالرزق لا تدل على تفضيل في قدر المعطى، ولا تسوية فإن يكن تفضيل فمن دليل آخر وظاهر الشريعة أن المقتول أفضل.
وقيل : المقتول والميت في سبيل اللّه شهيدان.
والرزق الحسن يحتمل أن يراد به رزق الشهداء في البرزخ، ويحتمل أنه بعد يوم القيامة في الجنة وهو النعيم فيها. وقال الكلبي : هو الغنيمة. وقال الأصلم : هو العلم والفهم كقول شعيب وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً «١» وضعف هذان القولان لأنه تعالى جعل الرزق الحسن جزاء على قتلهم في سبيل اللّه أو موتهم بعد هجرتهم، وبعد ذلك لا يكون الرزق في الدنيا. والظاهر أن خَيْرُ الرَّازِقِينَ أفعل تفضيل، والتفاوت أنه تعالى مختص بأن يرزق بما لا يقدر عليه غيره تعالى، وبأنه الأصل في الرزق وغيره إنما يرزق بماله من الرزق من جهة اللّه.
ولما ذكر الرزق ذكر المسكن فقال لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وهو الجنة يرضونه يختارونه إذ فيه رضاهم كما قال لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا «٢» وتقدم الخلاف في القراءة بضم الميم أو فتحها في النساء، والأولى أن يكون يراد بالمدخل مكان الدخول أو مكان الإدخال، ويحتمل أن يكون مصدرا.
ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ الآية قيل : نزلت في قوم من المؤمنين لقيهم كفار في الأشهر الحرم فأبى المؤمنون من قتالهم وأبى المشركون إلّا القتال، فلما اقتتلوا جدّ المؤمنون ونصرهم اللّه. ومناسبتها لما قبلها واضحة وهو أنه تعالى لما ذكر ثواب من هاجر وقتل أو

(١) سورة هود : ١١/ ٨٨.
(٢) سورة الكهف : ١٨/ ١٠٨.


الصفحة التالية
Icon