البحر المحيط، ج ٧، ص : ٥٣٥
أُمَّةٍ لأن تلك وقعت مع ما يدانها ويناسبها من الآي الواردة في أمر النسائك فعطفت على أخواتها، وأما هذه فواقعة مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفا قاله الزمخشري.
وَإِنْ جادَلُوكَ آية موادعة نسختها آية السيف أي وإن أبو للجاجهم إلّا المجادلة بعد اجتهادك أن لا يكون بينك وبينهم تنازع فادفعهم بأن اللّه أعلم بأعمالكم وبقبحها وبما تستحقون عليها من الجزاء، وهذا وعيد وإنذار ولكن برفق ولين اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ خطاب من اللّه للمؤمنين والكافرين أي يفصل بينكم بالثواب والعقاب، ومسلاة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما كان يلقى منهم.
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
لما تقدم ذكر الفصل بين الكفار والمؤمنين يوم القيامة أعقب تعالى أنه عالم بجميع ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ فلا تخفى عليه أعمالكم وإِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ قيل : هو أم الكتاب الذي كتبه اللّه قبل خلق السموات والأرض، كتب فيه ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وقيل : الكتاب اللوح المحفوظ. والإشارة بقوله إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ قيل : إلى الحكم السابق، والظاهر أنه إشارة إلى حصر المخلوقات تحت علمه وإحاطته. وقال الزمخشري :
ومعلوم عند العلماء باللّه أنه يعلم كل ما يحدث في السموات والأرض وقد كتبه في اللوح قبل حدوثه، والإحاطة بذلك وإثباته وحفظه عليه يسير لأن العالم الذات لا يتعذر عليه ولا يمتنع تعلق بمعلوم انتهى. وفي قوله لأن العالم الذات فيه دسيسة الاعتزال لأن من مذهبهم نفي الصفات فهو عالم لذاته لا يعلم عندهم.
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً أي حجة وبرهانا سماويا من جهة الوحي والسمع وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ أي دليل عقلي ضروري أو غيره. وَما لِلظَّالِمِينَ أي المجاوزين الحد في عبادة ما لا يمكن عبادته مِنْ نَصِيرٍ ينصرهم فيما ذهبوا إليه أو إذا حل بهم العذاب.
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا أي يتلوه الرسول أو غيره آياتُنا الواضحة في رفض