البحر المحيط، ج ٧، ص : ٥٣٨
ترى إلى قوله أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ «١» كيف جاء النفي بلا وهو الصحيح، والاستدلال عليه مذكور في النحو. وبدأ تعالى بنفي اختراعهم وخلقهم أقل المخلوقات من حيث إنّ الاختراع صفة له تعالى ثابتة مختصة لا يشركه فيها أحد، وثنى بالأمر الذي بلغ بهم غاية التعجيز وهو أمر سلب الذُّبابُ وعدم استنقاذ شيء مما يَسْلُبْهُمُ وكان الذباب كثيرا عند العرب، وكانوا يضمخون أوثانهم بأنواع الطيب فكان الذباب يذهب بذلك. وعن ابن عباس : كانوا يطلونها بالزعفران ورؤوسها بالعسل ويغلقون عليها فيدخل الذباب من الكوى فيأكله. وموضع وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ قال الزمخشري : نصب على الحال كأنه قال مستحيل : أن يخلقوا الذباب مشروطا عليهم اجتماعهم جميعا لخلقه، وتعاونهم عليه انتهى.
وتقدم لنا الكلام على نظير وَلَوِ هذه، وتقرر أن الواو فيه للعطف على حال محذوفة، كأنه قيل لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً على كل حال ولو في هذه الحال التي كانت تقتضي أن يخلقوا لأجل اجتماعهم، ولكنه ليس في مقدورهم ذلك.
ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ قال ابن عباس : الصنم والذباب، أي ينبغي أن يكون الصنم طالبا لما سلب من طيبهم على معهود الأنفة في الحيوان. وقيل الْمَطْلُوبُ الآلهة والطَّالِبُ الذباب فضعف الآلهة أن لا منعة لهم، وضعف الذباب في استلابه ما على الآلهة. وقال الضحاك : العابد والمعبود فضعف العابد في طلبهم الخير من غير جهته، وضعف المعبود في إيصال ذلك لعابده. وقال الزمخشري : وقوله ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف، ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف لأن الذباب حيوان وهو جماد وهو غالب، وذاك مغلوب والظاهر أنه إخبار بضعف الطالب والمطلوب. وقيل : معناه التعجب أي ما أضعف الطالب والمطلوب.
ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي ما عرفوه حق معرفته حيث عبدوا من هو منسلخ عن صفاته وسموه باسمه، ولم يؤهلوا خالقهم للعبادة ثم ختم بصفتين منافيتين لصفات آلهتهم من القوة والغلبة اللَّهُ يَصْطَفِي الآية نزلت بسبب قول الوليد بن المغيرة أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا «٢» الآية، وأنكروا أن يكون الرسول من البشر فرد اللّه عليهم بأن رسله ملائكة
(٢) سورة ص : ٣٨/ ٨.