البحر المحيط، ج ٧، ص : ٥٤٩
الملك انفسخ النكاح عند فقهاء الأمصار. وقال النخعي والشعبي وعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة : يبقيان على نكاحهما وفي قوله أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ دلالة على تعميم وطء ما ملك باليمين وهو مختص بالإناث بإجماع، فكأنه قيل أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ من النساء.
وفي الجمع بين الأختين من ملك اليمين وبين المملوكة وعمتها أو خالتها خلاف، ويخص أيضا في الآية بتحريم وطء الحائض والأمة إذا زوجت والمظاهر منها حتى يكفر، ويشمل قوله وراء ذلك الزنا واللواط ومواقعة البهائم والاستمناء ومعنى وراء ذلك وراء هذا الحد الذي حد من الأزواج ومملوكات النساء، وانتصابه على أنه مفعول بابتغى أي خلاف ذلك.
وقيل : لا يكون وراء هنا إلّا على حذف تقديره ما وراء ذلك.
والجمهور على تحريم الاستمناء ويسمى الخضخضة وجلد عميرة يكنون عن الذكر بعميرة، وكان أحمد بن حنبل يجيز ذلك لأنه فضلة في البدن فجاز إخراجها عند الحاجة كالفصد والحجامة، وسأل حرملة بن عبد العزيز مالكا عن ذلك فتلا هذه الآية وكان جرى في ذلك كلام مع قاضي القضاة أبي الفتح محمد بن عليّ بن مطيع القشيري ابن دقيق العيد فاستدل على منع ذلك بما استدل مالك من قوله فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ «١» فقلت له : إن ذلك خرج مخرج ما كانت العرب تفعله من الزنا والتفاخر بذلك في أشعارها، وكان ذلك كثيرا فيها بحيث كان في بغاياهم صاحبات رايات، ولم يكونوا ينكرون ذلك. وأما جلد عميرة فلم يكن معهودا فيها ولا ذكره أحد منهم في أشعارهم فيما علمناه فليس بمندرج في قوله وَراءَ ذلِكَ ألا ترى أن محل ما أبيح وهو نساؤهم بنكاح أو تسرّ فالذي وراء ذلك هو من جنس ما أحل لهم وهو النساء، فلا يحل لهم شيء منهن إلّا بنكاح أو تسر، والظاهر أن نكاح المتعة لا يندرج تحت قوله فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ لأنها ينطلق عليها اسم زوج.
وسأل الزهري القاسم بن محمد عن المتعة فقال : هي محرمة في كتاب اللّه وتلا وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ الآية ولا يظهر التحريم في هذه الآية.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو في رواية لأمانتهم بالإفراد وباقي السبعة بالجمع، والظاهر عموم الأمانات فيدخل فيها ما ائتمن تعالى عليه العبد من قول وفعل واعتقاد، فيدخل في ذلك جميع الواجبات من الأفعال والتروك وما ائتمنه الإنسان قبل، ويحتمل الخصوص في أمانات الناس. والأمانة : هي الشيء المؤتمن عليه ومراعاتها القيام عليها لحفظها إلى أن تؤدى، والأمانة أيضا المصدر وقال تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها «٢»

(١) سورة المؤمنون : ٢٣/ ٧، وسورة المعارج ٧٠/ ٣١. [.....]
(٢) سورة النساء : ٤/ ٥٨.


الصفحة التالية
Icon