البحر المحيط، ج ٧، ص : ٥٥٦
موضع بِالدُّهْنِ كان في موضع الحال أو في موضع المفعول، والصباغ كالدبغ والدباغ وفي كتاب ابن عطية. وقرأ عامر بن عبد قيس ومتاعا لِلْآكِلِينَ كأنه يريد تفسير الصبغ.
ذكر تعالى شرف مقر هذه الشجرة وهو الجبل الذي كلم اللّه فيه نجيه موسى عليه السلام، ثم ذكر ما فيها من الدهن والصبغ ووصفها بالبركة في قوله مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ «١» قيل : وهي أول شجرة نبتت بعد الطوفان وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها تقدم تفسير نظير هذه الجملة في النحل وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ من الحمل والركوب والحرث والانتفاع بجلودها وأوبارها، ونبه على غزارة فوائدها وألزامها وهو الشرب والأكل، وأدرج باقي المنافع في قوله وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ ثم ذكر ما تكاد تختص به بعض الأنعام وهو الحمل عليها وقرنها بالفلك لأنها سفائن البر كما أنْ فُلْكِ
سفائن البحر. قال ذو الرمة :
سفينة بر تحت خدي زمامها يريد صيدح ناقته.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ.
لما ذكر أولا بدء الإنسان وتطوّره في تلك الأطوار، وما امتن به عليه مما جعله تعالى سببا لحياتهم، وإدراك مقاصدهم، ذكر أمثالا لكفار قريش من الأمم السابقة المنكرة لإرسال اللّه رسلا المكذبة بما جاءتهم به الأنبياء عن اللّه، فابتدأ قصة نوح لأنه أبو البشر الثاني كما ذكر أولا آدم في قوله مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ «٢» ولقصته أيضا مناسبة بما قبلها إذ قبلها عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
«٣» فذكر قصة من صنع الفلك أولا وأنه كان سبب نجاة من
(٢) سورة المؤمنون : ٢٣/ ١٢.
(٣) سورة المؤمنون : ٢٣/ ٢٢.